ومن جهة ثانية: لا يدرك فضلهم فيها، وما بذلوه من الأموال والأنفس؛ حيث بذلوا أموالهم في سبيل الله تعالى، ورخصت عندهم بلادهم وأولادهم وأحفادهم وأقاربهم، وكل ما يملكونه أنفقوه كله في سبيل الله تعالى. ثم قاموا بالجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بعده في عهد الخلفاء الراشدين، فتح الله بهم القلوب، وفتح بهم البلاد، وامتدت بهم رقعة الإسلام، وفتحوا أقاصي البلاد وأدانيها، ودعوا إلى الله تعالى، ودخل الناس في دين الله أفواجاً بسبب دعوتهم وإعانة الله تعالى لهم وتوفيقهم، لا شك أن هذا لا يدركهم فيه من بعدهم، وهذا يعمهم جميعاً.
ومعلوم أن هذا الذي أثنى الله به عليهم ثابت لهم، ووعد من الله تعالى، والله لا يخلف الميعاد. ولكن الرافضة يدعون أنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يبايعوا علياً، وجحدوا الوصية المزعومة؛ حيث يدّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن علياً هو الخليفة بعده.
وقد ذكر الله فضل السابقين الأولين، وأن فضل أحدهم لا يدركه من بعدهم، ولهذا سماهم الله السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وأثنى عليهم، فلا شك أن هذا دليل على تفاضلهم، وأن الذين هاجروا وصبروا على الذل والقلة والفقر، وصبروا على الشدة ولقوا الأذى من المشركين، وتحملوا ذلك كله، وتحملوا مفارقة أبناء بلادهم وأولادهم، أليس هؤلاء أفضل؟ لا شك أنهم امتازوا على غيرهم بميزة لا يدركهم فيها غيرهم.