ولما جاءه بعض الأعراب وقالوا: هذا رسول الله. ارتعد الأعرابي فزعاً؛ يعتقد أن له شأناً، فأجلسه إلى جنبه وقال: (هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد) ، يريد بذلك تواضعه عليه الصلاة والسلام، وجلس مرة على التراب وقال: (إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد) . ونحو ذلك من الأدلة التي يحث فيها على التواضع، لأنه لا يجوز أن يصفوه بما لم يصفه به ربه.

فهذان طرفان؛ الذين جفوا كالعلمانيين، والذين غلوا كالمشركين الذين رفعوه فوق قدره وأوردوا في ذلك الأكاذيب التي يمجها السمع.

مثل الحديث الموضوع الذي يقول: (لو لاك ما خلقت الأفلاك) يعني لو لاك ما خلقت الكون. يرددون مثل هذه الأحاديث، كالحديث الذي فيه: (أن آدم رأى على قائمة العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنه قال: يا رب، أسألك بحق محمد فقال: وما محمد؟ قال: رأيت اسمه مكتوباً معك على العرش، فسألتك به وعرفت أنه لا يكتب إلا من له قدر، فقال: صدقت يا آدم، لولا محمد ما خلقتك) .

حشد ابن علوي وغيره في مؤلفاتهم ما يزعمون به أنهم يقدسون النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك دليل على محبته. فنقول لهم: إن كنتم تحبونه فاتبعوه، فالمحبة إنما هي في اتباعه لا في تعظيمه وإعطائه شيئاً لا يستحقه إلا الله.

القسم الثالث -الذي هو القول الوسط-: هو قول أهل السنة؛ وهو أن تعطيه حقه الذي هو:

أولا ً: الإيمان به. قال الله تعالى: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) (التغابن:8) الإيمان به يعني: تصديق رسالته والجزم بصحة ما أرسل به.

ثانياً: محبته. يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) . ومعلوم أن محبته تقتضي السير على نهجه وطريقته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015