فهذان شرطان للشفاعة، وهي الشفاعة المثبتة: الإذن للشافع، والرضا عن المشفوع له. والإذن يكون للأنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الناس إذا طلبوا منه الشفاعة لا يبدأ بالشفاعة بل يسجد حتى يقال له: (ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفع قال: فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب.. الحديث) . هذا دليل على أنه لا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله له.
وأما الرضا فإن الله لا يرضى عن الكفار كما في قوله تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر) (الزمر:7) ، فإذا كان لا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى الشرك، فلا يأذن في الشفاعة للكفار، ولا يأذن في الشفاعة للمشركين؛ فالشفاعة خاصة بالموحدين، وحقيقتها أن الله تعالى يكرم أولياءه وأنبياءه لينالوا المقام المحمود ويقول سبحانه وتعالى: (اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه.. الحديث) .
فيحصل منها تكريم الشافع ورفع منزلته، وأنه يؤتى المقام المحمود الذي وعده الله بقوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) (الإسراء:79) فمن يشفع تعرف منزلتهم وفضيلتهم، كذلك يحصل منها رحمة المشفوع لهم، وإخراجهم من العذاب، تلك فائدة هذه الشفاعة.
وذكر في الأحاديث عدد من الشفاعات، منها ما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو عام، وأشهر الشفاعات هي الشفاعة العظمى يتأخر عنها أولو العزم، حيث إن الناس يأتون لآدم فيعتذر ثم يطلبون الشفاعة من نوح فيعتذر، ثم من إبراهيم، ثم من موسى، ثم من عيسى، وكلهم يعتذر ويذكر له ذنباً حتى يأتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول:) أنا لها، أنا لها) .