وهذا اليوم ذكر الله عظم شأنه فقال تعالى: (يوم يقوم الناس لرب العالمين) (المطففين:6) ، ذكر في الأحاديث أنهم يقومون ويطول قيامهم وأنه يكون طويلاً، قدر في آية أنه ألف سنة مما يقدرون، وفي آية أخرى خمسين ألف سنة في سورة المعارج: (في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة) (المعارج:4) ، ثم أخبر بأنه قريب بقوله تعالى: (إنهم يرونه بعيداً * ونراه قريباً * يوم تكون المساء كالمهل) (المعارج:6-8) ، أي تذوب كما يذوب المهل، (وتكون الجبال كالعهن) (المعارج:9) ، أي تكون كالعهن المنفوش إلى آخر الآيات.
فنؤمن بهذا، ونؤمن بأنه بعد البعث يحشر الناس، وأن الأرض تسوى فتزول عنها الجبال التي عليها، وتصبح الجبال كثيباً مهيلاً، ثم بعد ذلك تصبح كأنها العهن؛ وهو القطن المنفوش تطير به الرياح، قال تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) (النمل:88) . وهي تنتقل فلا يبقى لها أثر ولا يبقى لها مكان فينسفها الله تعالى: ثم تسوى بالأرض، يقول الله تعالى: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً * فيذروها قاعاً صفصفاً) (طه:105-106) ، أي الأرض تكون قاعاً صفصفاً مستوياً (لا ترى فيها عوجا ولا أمتاً) (طه:107) ، يمدها الله تعالى يقول: (وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت) (الانشقاق:3-4) ، تمد كما يمد الأديم العكاظي، وتسوى بحيث لا يكون لها مرتفع ولا منخفض.
وبعد ذلك تبقى هكذا، فيجتمع عليها الخلق من أولهم إلى آخرهم؛ يجتمعون كلهم لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، يحشرون على هذه الأرض، ثم تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بهم، وكذا ملائكة السماء الثانية والثالثة، إلى أن تنزل الملائكة كلهم فيحيطون بهم.