وكذلك أيضاً لا يقول: سأسكت فلا أتكلم فإن هذا قدر، نقول له: انطق وتكلم وذلك أيضاً من القدر. ولا يقول: سوف أمسك عن الأكل فإن الله قدر أن أعيش عشت، وإلا فلا، نقول: لا بل أطعم الطعام، وغذ بدنك فإن هذا مما أمرت به، وهو من الأسباب في حياتك، وهو أيضاً من القدر. ولا يقول: لا أتزوج فإن كان الله قدر لي أولاداً حصلوا بدون زواج، نقول: لا، بل تزوج حتى يحصل ما قُدّر لك. وهكذا التعلم وما أشبهه، كلها بقضاء وقدر، ولابد أن يفعل العبد هذه الأسباب حتى يوافق ما قدر الله وما كتبه.

نقول بعد ذلك: إن أهل السنة توسطوا في ذلك فجعلوا للعبد قدرة، وجعلوا لله تعالى قدرة، وقدرة الله تعالى غالبة على قدرة العبد، وبقدرة العبد التي أعطاه الله إياها والتي مكنه بها يحصل الثواب والعقاب على هذه القدرة.

فلا شك أن الإنسان معه قدرة، ومعه تمكن، وأنه لولا هذه القدرة ما كُلف، وفي الآيات التي تقدمت ذكر الأدلة على ذلك: (لا يكُلف الله نفساً إلى وسعها) (البقرة:286) فلو لم يكن للإنسان قدرة لما كلف، ولهذا لا يكلف المجنون، ولا العاجز، ولا المقعد، ولا المريض، ولا فاقد القدرة.

وقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (التغابن:16) يعني أن للعباد استطاعة وقدرة يزاولون بها أعمالهم، وهكذا الآيات التي فيها الأوامر والنواهي التي يوجهها الله إلى العباد: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (المزمل:20) ، (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) (الإنعام:151) ، ونحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015