ولكن يريدون بالعدل أن الله تعالى لا يقدِّر المعصية على العاصي، ثم يعذبه عليها فإن ذلك يكون ظلماً، ويقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعله، وهو الذي يستقل بأفعاله، ولا قدرة لله على فعله، ولا يقدر على أن يهدي أو يضل، ولا يُقبل بقلب هذا، ولا يصد قلب هذا، فالله -عندهم- عاجز عن هذا -تعالى الله عما يقولون- بل العباد أنفسهم هم الذين يستقلون بأفعالهم. فجعلوا العبد خالقاً مع الله، ولهذا يسمون مجوس هذه الأمة؛ لأنهم جعلوا مع الله من يخلق؛ لأن المجوس جعلوا الكون صادراً عن خالقين: النور والظلمة، وأما المعتزلة فجعلوا العباد كلهم يخلقون؛ الطائع يخلق طاعته، والعاصي يخلق معصيته.

وقالوا: إن الله ليس له قدرة عليه بل العاصي يعصي الله، ولو شاء الله أن يرده ما قدر على أن يرده، إذا أراد العبد أن يفعل معصية، وأراد الله أن لا يفعلها غلبت قدرة العبد على قدرة الله، وإذا أراد الله أن تُفعل طاعة من العبد، والعبد أراد أن يفعلها غلبت قدرة العبد على قدرة الله، فهذا في زعمهم سموه عدلاً، حتى لا يعذب الخلق على الأمر الذي خلقه فيهم، هذا قول القدرية وهم المعتزلة.

القسم الثاني: يسمون الجبرية وهم طائفة من الأشاعرة غلوا في إثبات القدر حتى سلبوا العبد قدرته وإرادته، وقالوا: ليس للعبد أية اختيار، بل العبد مجبور على فعله مقسور عليه، ليس لديه أي نظر ولا همة ولا إرادة، ويتمثل بعضهم بقوله:

ألقاه في أليمّ مكتوفاً وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء

يقولون: إن الله هو الذي أوقعه في المعصية وخلقها فيه، وقدرها عليه، وألزمه بها، ومع ذلك يقول له: لا تعص، لا تقرب المعصية، لا تفعلها، فهو كمن كُتفت يداه، وألقي في البحر، وقيل له: لا تبل ثيابك بالماء، هذا غير ممكن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015