ولكن الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالقدر خيره وشره) يدخل فيه أيضاً القدر الذي هو الحوادث، وهو أن تؤمن بأنها مقدرة وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وورد من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف.

أما دلالة حديث القنوت الذي أوله: (اللهم أهدني فيمن هديت) إلى قوله: (وقني برحمتك شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك) فقد دل على أن الله يقيه من الشر، والدعاء ليس يغير القدر، ولكن الدعاء من القدر، والدعاء نفسه مقدر، وقد جعله الله سبباً لوقوع هذا القدر، فدعاؤنا بقولنا: (وقني شر ما قضيت) أي شر ما تقدره؛ أي ما قد كتب، ومما قدره الله تعالى وكتبه أن العبد سيدعو بهذا الدعاء ويكون سبباً في كشف الشر عنه.

فدل على أن المكتوب لابد من وقوعه، ولابد من حصوله، فما قدر الله فلن يخطئ العبد، لا راد لقضاء الله، ولا معقب لحكمه.

مسألة: جمع أهل السنة بين الشرع والقدر

وقوله:

ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثه الرسل.

قال الله تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجةُ بعد الرسل) (النساء:165) ونعلم أن الله سبحانه ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحداً على معصية ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (البقرة:289) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015