والصحيح أنه لا يمكن لأحد من البشر أن يرى ربه في الدنيا، ولأجل ذلك لم يتمكن موسى من النظر إلى ربه بعد أن سأل النظر، وأخبره الله بعدم التمكن من ذلك، والدليل قوله تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) (الأعراف:143.
فهذا دليل على أن البشر لضعف خلقتهم في الدنيا لا يتمكنون من رؤية الله تعالى، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يره رؤية بصرية في الدنيا، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: هل رأيت ربك؟: (نورٌ أنى أراه) يعني كيف أراه ودونه ذلك النور، وكذلك في رواية (رأيت نوراً) وذلك لأن الله تعالى احتجب عن عباده بالنور.
وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ، فالصحيح أنه رآه رؤية قلبية لا رؤية بصرية، والذين أثبتوا الرؤية له استدلوا بقوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى) (النجم:13-14) ، والصحيح أن الضمير يعود إلى جبريل؛ أي ولقد رأى جبريل نزلة أخرى، وكذلك قوله (ولقد رآه بالأفق المبين) (التكوير:23) الضمير أيضاً يعود إلى جبريل عليه السلام، فإنه الرسول المذكور في قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين) (التكوير:19-21) هذه صفات الملك، فالضمير يعود إليه.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه رأى جبريل على صورته التي خُلق عليها مرتين له ستمائة جناح، قد سد ما بين الأفق، أو قد سد الأفق، وكان ينزل عليه كثيراً، ولكنه يتمثل بصورة دحية الكلبي أو نحوه.