(منه بدأ) : يعني تكلم به الرب سبحانه وتعالى، (وإليه يعود) وذلك إذا لم يُعمل به في آخر الزمان يُرفع من الصدور، ويُرفع من الأسطر ومن الكتب، ولا يبقى منه شيء، وهذا معنى قوله: (وإليه يعود) ، كما فسر ذلك شيخ الإسلام في بعض كتبه.
فعند أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تعالى، وأنه كلام مسموع، أما الأشاعرة فذهبوا إلى أن الكلام معنى قائم بالنفس؛ قالوا: إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالعِبرية فهو توراة، وإن عبر عنه بالسُريانية فهو إنجيل؛ هكذا يقولون، وأنكروا أن يكون هذا الكلام الذي بهذه الحروف هو نفس كلام الله، وقالوا: إن كلام الله هو المعنى ليس هو اللفظ، وهذه الحروف التي في هذه المصاحف ليست هي كلام الله، وأرادوا بذلك التستر حتى لا يقولوا: إن القرآن مخلوق، وإلا فقولهم قريب من قول المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، وهؤلاء قالوا: إنه كلام الله، ولكن كلام الله المعنى دون اللفظ.
وكثيراً ما يستدلون بالبيت المشهور في كتبهم؛ يقولون: إن الشاعر العربي يقول:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً
فيقولون: إن كلام الله هو المعنى دون اللفظ، وإن الكلام في الحقيقة إنما هو ما يقوم بالنفس، وأما ما يسمع بالأذان فلا يسمى كلاماً، وإنما يسمى عبارة أو حكاية، فيقولون: إن القرآن عبارة، أو حكاية عن كلام الله، وليس هو عين كلام الله، هذه عقيدتهم، فكيف نرد عليهم؟
العرب لا ينسبون للساكت كلاماً، ولو كان يزور في نفسه، إنما يُسمى كلاماً بعد ما يُنطق به، فأما قبل أن يُنطق به فلا يسمى كلاماً.
وأما البيت الذي استدلوا به فينسبونه إلى الأخطل وليس بصحيح؛ فلم يوجد في ديوانه، وأكثر الشعراء وعلماء الأدب ينكرون هذا البيت ويقولون: إنه مختلق لا أصل له. ثم رواه بعضهم قائلاً: