ثم نقول: هذا البيت على تقدير صحته، فالاستواء فيه بمعنى العلو، استوى على العراق، يعني استقر على سريرها، فهو دال على العلو، فلا يكون دليلاً على الاستيلاء، ثم نقول: إن الاستيلاء ليس خاصاً بالعرش، وهذا هو الذي ذكره ابن القيم عن الأشعري:
والأشعري يقول تفسير استوى بحقيقة استولى من البهتان
الأشعري هو أبو الحسن الذي تنتسب الأشاعرة إلى مذهبه الأوسط، وقد رجع عنه في كتابه (الإبانة) . فيقول فيها: إنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء، ولو كان الأمر كما يقولون: لم يكن للعرش ميزة؛ فإن الله تعالى مستولٍ على كل شيء، ولا يجوز أن يوصف بأنه استولى على غير العرش، فلا يجوز أن تقول: إن الله استوى على الجبال، إن الله استوى على الأرض، إن الله استوى على الحشوش، إن الله استوى على الأشجار وعلى القصور؛ وحيث إنه خص الاستواء بالعرش فإنه يختص به. فلو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء فلماذا يخص العرش وحده؟ الله مستولٍ على الجميع. هذا من جهة، ومن جهة ثانية: فإن الاستيلاء لا يكون إلا بعد منازعة.
سمعت حكاية أن بعض المبتدعة قام في أحد المساجد وأخذ يتكلم عن الاستواء، وأخذ يقرر أن استوى بمعنى استولى، والله هو المستولي واستولى على العرش ... ثم إن بعض الحاضرين أمر غلاماً له أن يخرج ويطل من النافذة، ويقول له: قبل أن يستولي على العرش من العرش له؟ فبهت ذلك الذي يتكلم، فقالوا له: صحيح هذا السؤال واضح. نحن نقول وغيرنا: لمن كان العرش قبل أن يستولي الله عليه؟ وبهذا نعرف بطلان هذا التفسير.