هذا ابتداء كلام المصنف في صفة العلو، وهي من الصفات الذاتية التي كثر فيها النزاع، وكثر فيها المخالف، وطال فيها الكلام والجدال بين أهل السنة والمبتدعة، وأنكرها أغلب الأشاعرة، والمعتزلة، وغالب الفرق الضالة، وما ذاك إلا أن إثبات صفة العلو في زعمهم يستلزم التحديد، أو التجسيم، ويستلزم التحيز، وهم يستعظمون أن يكون الله في حيز، أو في جهة، أو أن يكون الرب موصوفاً، بأنه في هذه الجهة، يخيل إليهم أنه إذا وصف بذلك فهو محصور، وأن الجهة تحويه، أو نحو ذلك.

ونحن نقول: إنه أثبت لنفسه هذه الصفة، ولا يلزم من ذلك ما تخيلوه، بل هو فوق العباد كلهم، ومع ذلك لا تحويه الجهة التي يشار إليها، وليس هناك محذور من إثبات هذه الجهة، أو هذه الصفة.

الدليل الأول: قوله: (الرحمن على العرش استوى) ذكر العلماء أن صفة العلو دل عليها العقل، وصفة الاستواء دل عليها السمع. فالعقل والفطرة يضطران كل عاقل أن يطلب ربه من فوقه، إذا دعا الله تعالى فإنه يجد من قلبه ارتفاعاً ونظراً إلى العلو ولا يلتفت يمنة ويسرة، ولا يطلب عن يمينه ولا عن يساره، ولا تحت ولا أمام ولا خلف، بل فطرته وعقله تضطره إلى أن يرفع يديه، ويرفع نظره، ويرفع قلبه، ويستحضر أن ربه فوقه. فهذه الفطرة فطرة عقلية لا يستطيع أحد أن يجحدها، بل ذكروا أنها -أيضاً- في البهائم؛ إذا أجدبت الأرض فإنها ترفع رؤوسها إلى السماء تستقي -كما قاله بعضهم- بل إنها فطرة كذلك في الجاهليين -كما ذكر ذلك ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية- قال: إنها مقالة معروفة حتى عند الجاهلية في قول بعضهم: (إذا كان ربي في السماء قضاها) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015