أما حكم الله تعالى فهو تقديره وتنفيذ قدره، فإذا قدر أمراً نفذ قدره أياً كان تقديره وتدبيره، وتصرفه هذا هو حكمه، ويمكن أن يكون حكمه أمره ونهيه، وإن كان قد يأمر من لا يفعل، فقد أمر الكفار بالإيمان، فما آمنوا، وأمر العصاة بالطاعة فعصوا، فهل يسمى هذا حكماً؟ نسميه حكماً شرعياً لا حكماً قدرياً بمعنى أن الحكم النافذ الذي لابد من وجوده هو الحكم القدري، هو الحكم الذي قضاه وقدره في الأزل، وحكم بوجوده، فلا راد له، وأما الحكم الشرعي وهو أنه شرع هذه الأحكام، وشرع الأوامر والنواهي وشرع الطاعات وحرم المحرمات، فهذا حكم شرعي ينفذ فيمن قدر الله إيمانهم لا فيمن قدر الله عصيانهم.
قوله:
لا تمثله العقول بالتفكير.
شرح:
من هنا أخذ أيضاً يبدأ في الصفات السلبية.
نعرف قبل ذلك أن قاعدة أهل السنة، أن الله تعالى لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم: وذلك لأنه أعلم بنفسه وأعلم بخلقه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم بمن أرسله، فيقتصر في بعض الصفات ثبوتية أو سلبية على ما ورد، فقوله: (لا تمثله العقول بالتفكير) معناه أن القلوب تعجز عن أن تصل إلى مثل تمثيله، ولعل الدليل على ذلك قوله تعالى: (ولا يحيطون به علماً) (طه:110) أي مهما فكروا، ومهما سألوا لا يحيطون به علماً، يعجزون عن أن يمثلوا بعقولهم ذاته سبحانه.
كذلك لا تحيط به الظنون ولا العقول بالتفكير، ومن أدلة ذلك قوله: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) (البقرة:255) ، أي لا يصلون إلى علم من صفته إلا بما أوصله إليهم، فإذا لم يشأ لن يستطيعوا أن يصلوا إليه وكيف يعلمون صفة ذاته سبحانه مع أنه قد احتجب عن أن تصل إليه العلوم، أو الأوهام، أو التفكيرات، أو نحوها، وأخبر بعدم مماثلته لمخلوقاته بقوله: (ليس كمثله شيء) (الشورى:11) .