ولعل ابن قدامة رحمه الله يرد بهذه الجملة على المعتزلة والحلولية والفلاسفة والكثير من الصوفية والجهمية، فهؤلاء عقيدتهم -والعياذ بالله- إنكار صفة العلو، وادعاء أن الله بذاته في كل مكان، فلذلك قال: (لا يخلو من علمه مكان) رداً على من يقول: إنه بذاته في كل مكان، وهذا قول الحلولية الذين يدعون أنه حال بذاته في المخلوقات كلها، وهذا عين الكفر وعين الجحود، فإن الرب تعالى بائن من خلقه مع كونه مستوياً على عرشه.
قوله:
ولا يشغله شأن عن شأن.
شرح:
يقول بعض الخطباء في الثناء على الله تعالى: لا تشتبه عليه اللغات، ولا تغلطه كثرة المسائل مع اختلاف اللغات، وتفنن المسؤولات.
هذا معنى لا يشغله شأن عن شأن، لا يشتغل بسماع هذا عن هذا، بل يدعوه مئات الألوف وألوف الألوف في لحظة واحدة، ويسمع دعاءهم، ويعرف حاجاتهم، ويعرف مطالبهم، ويجيب من يجيبه منهم، ويعطيه سؤله، ولا شك أن هذا يستلزم أنهم يعظمونه إذا عرفوا أنه المستحق لهذا التعظيم، وأنه بهذه الصفة بحيث لا يشغله شأن عن شأن، فإن ذلك يحملهم على أن يطيعوه وأن يعظموه، ويجلوه، ويعتقدوا أنه ربهم ومالكهم، وأنه هو المعبود وحده.
قوله:
جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد.
شرح:
هذه الجملة يؤخذ منها صفات السلب وصفات النفي، فإن صفات الله صفات سلبية، أو صفات ثبوتية، ولكن إذا أتت الصفات السلبية استلزمت الصفات الثبوتية، وإلا فالسلب المحض لا يمدح الله به نفسه حتى يتضمن صفة ثبوت يمتدح بها.