ولا شك أن العبد إذا حمد الله، كان قد عبده بهذه الكلمة (الحمد لله) ، واجتمع كونه معظماً له، ومحباً، ومجلاً له بهذه الكلمة، فقد أدى عبادة، وأي عبادة، وإن كان للحمد أيضاً أسباب إذا تجددت نعمة فإنك تحمده عليها ونعم الله تجدد بالغدو والآصال كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها) . وأينا يستغني عن الأكل والشرب في اليوم عدة مرات، إذن فإذا تجددت هذه النعمة، فإنك تحمده عليها.
كذلك أيضاً تقول بعد الفراغ من التخلي: (الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأذهب عني أذاه) ، أو بعد الخروج من الخلاء فتقول: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) ، فلا يستغني الإنسان أن يحمد الله في كل الحالات، إذاً فالله تعالى محمود دائماً إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال.
وقوله: الحمد لله المحمود بكل لسان، قد تقول: كيف يكون ذلك مع أن كثيراً من الألسن لا يعرفون الله، أولا يعترفون بفضله فضلاً عن أن يحمدوه؟
والجواب: أن الألسن ناطقة بحمده إما بلسان الحال، وإما بلسان المقال، فألسنة الكفرة ولو كانت لا تذكر الله، ولو كانوا ينسبون النعم إلى غير الله، ولو كانوا يكفرون به وبنعمه، ولو كانوا يصرفون العبادة لغيره، ولكن لسان حال أحدهم متعرف بأنه محتاج إلى رب، وأنه لا يستغني عنه طرفة عين، لسان حال أحدهم معترف بأنه مخلوق مفتقر إلى الخلاق، وذلك الخالق له الفضل عليه، فلا بد أن يكون صاحب الفضل أهلاً أن يثنى عليه، وأهلاً أن يحمد إذاً، فهو حامد بلسان حاله شاء أم أبى.