هذا بعض ما كان عليه هذا المعتقد في هذه الأزمنة، والحنابلة طوال هذه الأزمنة الغالب أنهم يتتلمذون على أشاعرة، ومنهم الإمام ابن قدامة حيث نجد أن تلامذته ومشايخه وزملاءه في العقيدة من شافعية، ومن حنفية، ومن مالكية على المذهب الأشعري.
ولكن لأبد أنه وصلت إليه كتب الإمام أحمد، وكذلك كتب السلف، فلم يوافق أهل زمانه بل وافق شيخه، ووافق مذهبه الذي هو مذهب الإمام أحمد، فألف كتباً كثرة فيما يتعلق بالعقيدة، منها رسالته التي في إثبات صفة العلو؛ صريحة في أنه يرى إثبات هذه الصفة لله تعالى، ولو أنكرها من أنكرها.
ومنها رسالة في ذم التأويل الذي ابتلي به زملاؤه وأساتذته من الأشاعرة ونحوهم.
ومنها هذه الرسالة التي نحن بصددها: (لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد) سماها لمعة لأنها ذات أدلة صحيحة صريحة مضيئة تلمع لمعاناً كلمعان السرج القوية، وكلمعان النجوم في الليلة المظلمة، يعني أنها ذات أدلة واضحة وذات دلالة لا خفاء فيها في الاعتقاد.
(لمعة الاعتقاد) أي أدلة الاعتقاد التي هي صحيحة ذات لمعان وضياء لا يحتمل الخفاء، ولا يجوز أن يخفي أو تخفى دلالته إلا على عُمي البصائر.
فهذا هو قصده، ولكن إذا قرأتها تجد أنه رحمه الله لم يجرؤ أن يفصح بموجب الأدلة وبدلالتها بل هو يذكر الأدلة، ويورد بعض المعاني، حيث إن أهل زمانه لا يحتملون الإفصاح، وإلا فهو قد أفصح في كتابه (العلو) بإثبات صفة العلو ونحو ذلك، ولكن يخشى أن يشنع عليه أهل زمانه بأنه مشبه، وبأنه ممثل، فألفها واقتصر على ذكر الأدلة، ولكنه مع ذلك ذكر أدلة صريحة واضحة الدلالة لا تحتمل تأويلاً، وقد أبطل التأويل في رسالته الأخرى، وكذلك أيضاً تتبع عقيدة أهل السنة في الصفات، والإيمان، والقدر، والصحابة، وفي إثبات الرؤية. وغير ذلك مما هو من أصل العقيدة، مما يدل على أنه رحمه الله استوفى عقيدة أهل السنة.