ثالثاً: أن الأدلة التي تؤيد هذا الاعتقاد أدلة جلية، واضحة في ظهور معناها، صحيحة قطعية الثبوت لا يمكن أن يعتريها شك، أو تغير، فهذا ونحوه مما يبين أهمية هذه العقيدة.
بعد ذلك نقول في تطور أمر هذه العقيدة قبل أن نبدأ في شيء من تفاصيلها: معروف أن الرسل كلهم بدأوا رسالتهم بأمر العقيدة التي هي عبادة الله لقوله تعالى: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (الأعراف:59) تقريراً للإلهية بأن الله تعالى هو الإله، بحيث يعترفون أن لهم رباً، وأن ربهم هو الله، وأنه الذي له الإلهية وحده، ولا تصلح الإلهية إلا له سبحانه وتعالى.
وهذا مبدأ العقيدة وأساسها كما سيأتي، فالرسل بدأوا بأمر العقيدة، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدأ بأمر العقيدة، فبقي عشر سنين بمكة بعد أن أوحي إليه لم يدع إلا إلى العقيدة، وهي معرفة الله وعبادته وأداء حقه، وترك عبادة ما سواه، وإقامة الأدلة التي تثبت لله وحده العبودية وتنفي عن ما سواه أن يكون معبوداً أو إلهاً.
وتطول الأدلة والبراهين على ذلك، ففي كثير من السور المكية يذكر الله عز وجل ما يدل على أنه سبحانه هو الرب، وهو الإله، وهو المعبود وحده، ويقيم على ذلك الأدلة الواضحة التي يراها الإنسان عياناً، ويذكرها ولا يستطيع أن يجحدها أو ينكرها.
فنجد مثلاً في سورة الإنسان قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سمعياً بصيراً * إنا هديناه السبيل) (الإنسان:1-3) ، أليس هذا تقريراً للإلهية، وأن الذي خلق الإنسان بعد أن كان معدوماً هو الخالق المنفرد بالخلق؛ تقريراً لأنه هو الخالق وحده، وأنه هو الذي يستحق أن يعبد، ولا يجحده إلا معاند.