لك أن تقيس أيها الأخ ذلك في كل شيء، حتى في الأمور العادية، كأمور المأكل والمشرب والملبس وما أشبه ذلك. فإن الإسلام جاء فيها بالوسط. فمثلاً اللباس الذي هو زينة للناس أنزله الله وامتن به على عباده بقوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا) . وهذا اللباس انقسم فيه الناس ثلاثة أقسام: طرفان ووسط. فتجد الطرف الأول وهم أهل البذخ والإفساد والإسراف قد يكون لباس أحدهم يتكلف بمئات. أو يبلغ الألف أو الألوف من ذكر أو أنثى، وهذا بلا شك إفساد وإسراف، وتبذير للمال في غير حق، ويعتبر إفراطاً وغلوا وزيادة، ولو أنه اقتصد واستعمل ما يكفيه وتصدق بهذا الزائد أو أنفقه في وجه من وجوه الخير لكان خيرا له. بينما هناك طرف آخر قد أنعم الله عليه ورزقه. ولكنه قَصَّر على نفسه. روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عليه ثياب وسخة، أي بذلة وهوان، فسأله: أليس قد رزقك الله مالاً؟ فقال: بلى. قال: من أي أنواع المال؟ قال: من كل أنواع المال، من الإبل والبقر والغنم والخيل والرقيق. فقال فإذا آتاك الله مالا فلير نعمة الله عليك وكرامته رواه أحمد والنسائي عن أبي الأحوص عن أبيه وسنده صحيح. فكون الإنسان واجدا، وكون الإنسان غنيا ومع ذلك يقصر على نفسه، فيقتصر على ثياب دنسة وسخة متمزقة، قد تبدو منها عورته، يعتبر ذلك تقصيرا وإخلالا. وخير الأمور أوسطها. وهو أن لا يسرف الإنسان في اللباس وأن لا يقصر في اللباس. بل الوسط بين ذلك، لا إفراط ولا تفريط.
ثانياً:-