ثم إن العبد بعد فراق رمضان وقد كُفِّرت عنه سيئاته، يجب عليه أن يحافظ على الصالحات، ويحفظ نفسه عن المحرمات، وتظهر عليه آثار هذه العبادات في بقية حياته، فذلك من علامات قبول صيامه وقيامه وقرباته، فإذا كان بعد رمضان يحب الصلوات ويحافظ على الجمع والجماعات، ويكثر من نوافل الصلاة، ويصلي من الليل ما قدر له، ويُعوِّد نفسه على الصيام تطوعاً، ويكثر من ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره وتعقله، ويتعاهد الصدقة، ويصل أرحامه ويبر أبويه، ويؤدي ما عليه من الحقوق لربه وللعباد، ويحفظ نفسه ويصونها عن الآثام وأنواع الجرائم، وعن جميع المعاصي وتنفر منها نفسه، ويستحضر دائماً عظمة ربه ومراقبته وهيبته في كل حال، إذا كان كذلك بعد رمضان، فإنه دليل قبول صيامه وقيامه، وتأثره بما عمل في رمضان من الصالحات والحسنات.

ومع ذلك فإن صفة الصالحين وعباد الله المتقين الحزن والأسى على تصرم الأيام الشريفة، والليالي الفاضلة، كليالي رمضان، وهذه صفة السلف الصالح وصدر هذه الأمة رحمهم الله تعالى، فلقد يحزنون لانصراف رمضان، ومع ذلك يدأبون في ذكره، فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون سنتهم كلها في ذكر هذا الشهر، فهو دليل على عظم موقعه في نفوسهم، ويقول قائلهم:

سلام من الرحمن كل أوان على خير شهر قد مضى وزمان

سلام على شهر الصيام فإنه أمان من الرحمن كل أمان

لئن فنيت أيامك الغر بغتة فما الحزن من قلبي عليك بفان

لقد ذهبت أيامه وما أطعتم.

وكتبت عليكم فيه آثامه وما أضعتم.

وكأنكم بالمشمرين وقد وصلوا وانقطعتم.

أترى ما هذا التوبيخ لكم؟

أو ما سمعتم قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن؟ ومن ألم فراقه تئن؟

كيف لا تجرى للمؤمن على فراقه دموع؟ وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015