ƒـ[أقسم بالله أني أحبكم في الله حبا كبيرا احتراما لما وهبكم الله من العلم والفقه والأصول. أسأل الله أن يزيدكم من أفضاله الواسعة وينير دربكم بالمزيد من العلم لتعطونا من المواعظ والأحكام ما يفيدنا ويخرجنا من ظلمات أنفسنا ويثبتنا وإياكم على المحجة البيضاء -آمين، أخي في الله، أستسمحكم في الإطالة هذه: أنا سيدة متزوجة وأم لطفلة تبلغ من العمر سنة و3 أشهر. توفي والدي قبل زواجي وكنت ولازلت أعمل لكسب لقمة العيش لتأكل أخواتي الثلاث وأخي الصغير ووالدتي. عملت بكد وجهد في شركة خاصة وكان راتبي مخصصا كليا لعائلتي هذه، ولم أبخل عليهم بقرش واحد إذ إن مدخولي الشهري كله أعطيه لأمي التي تتصرف فيه دون تدخل مني. ثم تزوجت وكان شرطي الوحيد هو أن أستمر في وظيفتي وأعيل أسرتي وأن لا أنفق ولو قرشا واحدا في بيت الزوجية. وبما أن زوجي يشتغل في مدينة بعيدة عن القرية التي تعيش فيها أسرتي والتي أشتغل فيها (يجب علي أن أقطع مسافة 90 كلم لمدة ساعة كاملة للالتحاق بزوجي ناهيك عن المصاريف) ، فإنني استمررت كما في فترة قبل زواجي: أعمل (مكتبي يوجد على بعد أقل من 1 كلم) وأعيش مع أمي وإخوتي، ثم إنهم هم الذين اقترحوا بل اشترطوا على زوجي أن أستمر في العيش معهم نظرا لما سبق ذكره ولأنهم حسب قولهم لا يطيقون العيش بعيدا عني بدليل أني في مقام الوالد والأخ الأكبر بالنسبة لهم ... استمررنا على هذا الحال ماشاء الله من الزمن، ثم خرجت ابنتي إلى النور وأصبحت ألاحظ مع توالي الأيام أني غير مرغوب في داخل الأسرة، وتوالت بيني وبين إخوتي المشادات الكلامية حول موضوع ضرورة رحيلي من البيت - مع أن لي فيه النصيب الأكبر من التشييد ولي الحق في نصيبي من الإرث بعد وفاة والدنا رحمه الله، ورغم هذا كله كنت أصبر دائما ولا أملك غير الدموع أذرفها والناس نيام ولا أنسى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم. إلى أن جاء يوم اجتمعت علي أخواتي بدون مبرر ليقلن لي وبالإجماع اخرجي من بيتنا لا نريدك بيننا وإلا رميناك وابنتك خارجا وبالتحديد في المزبلة كما حاولت إحداهن قتل ابنتي خنقا. منذ تلك اللحظة أصبحت هذه التصرفات تتكرر بصفة تعمدية وعادية كأن عليهن لزاما طعني بالكلام الجارح وعلي أنا الرضوخ لهن أو الرحيل. أنا حائرة فزوجي محدود الدخل ولا يملك بيتا بل هو مضطر لكراء مسكن قريب من مكان عمله، وصابر على بعده عني وعن ابنته التي يحبها بجنون إكراما لأمي وإخوتي الأيتام. لكن باستطاعتي الإنفاق على نفسي وببدخ لو شئت إلا أنني أخاف على عائلتي التي لا تقدم لي غير الكره والبغض من الجوع والتشرد. عقلي تائه وحياتي ملخبطة لا أعرف ما الذي علي فعله بالتحديد. أنا لحد الساعة صابرة جدا وأقول إن هذا من همزات الشيطان، وأتذكر باستمرار وصية والدي لي بالاعتناء بهم وعدم التخلي عنهم. أنا لا أريد منهم جزاء ولا شكورا إنما أجري على الله. لكني أريد أن يطمئن قلبي بسماع نصيحتكم التي هي بالتأكيد ستكون مستوحاة من ديننا الحنيف
للإشارة فقط: كل أخواتي متدينات جدا وتواظبن على تتبع كل البرامج الدينية. وفوق هذا كله تكرهنني أشد من كرههن لشارون، صدقوني أنا أقصد تماما ما قلته مع أنني أقسم بالله العلي القدير لم أتصرف معهن بما يستحق كل هذا ولست من النوع الشرير بل أتفقد دائما مواضع احتياجهن وأحرص على مأكلهن ومشربهن ولم أقصر يوما في واجبي تجاههن بل لأجلهن أعمل ولأجلهن ابتعدت عن زوجي. وبالمقابل سمعت من إحداهن قذف زوجي بالزاني وقالت عني المتشردة العديمة المأوى. وآخر المستجدات اتفقن على ألا يغسلن الأواني التي تأكل فيها ابنتي، وعند عودتي من العمل أجد المطبخ مليء بأطباقها وقنينة الرضاعة والملاعق وغيرها استخدموها لتأكل بها ابنتي التي فوضت أمري فيها لله سبحانه، ففي كل مرة أتوقع أن أدخل إلى البيت لأجدها ميتة أو أجدها مرمية بالخارج. اللهم ثبتني على الطريق المستقيم وألهمني الصبر والطاعة لك ولوالدتي التي تكاد تموت من المشاكل واهد أخواتي لما يرضيك ونور قلوبهن بالرحمة.]ـ
^الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنت على خير إن شاء الله، ونسأله سبحانه أن يجعل عملك هذا في ميزان حسناتك. ومن باب التذكير وليطمئن قلبك كما أردت وطلبت نقول: إن في إعالتك لأمك وأخواتك فضلا كبيرا وأجرا عظيما، ويمكنك أن تطلعي على بعض ما ورد في فضله وأجره في الفتوى رقم: 54907، ويتضاعف الأجر والثواب إن شاء الله بما ذكرت من أمور منها: 1-أنك برعايتك وإنفاقك على أمك وأخواتك تكونين ساعية على الأرملة وكافلة لليتيم وسبق في الفتوى رقم: 3152، ما في ذلك من الأجر والثواب 2ـ في رعايتك لهم تنفيذ لوصية والدك، وهذا من البر بالوالد بعد موته، ويرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 7893، 3ـ طلبك في كل ذلك الأجر من الله وعدم انتظار الجزاء منهم أو الشكر. 4ـ مقابلتهم ما قدمت لهم وما تقدمين بالجحد ونكران الجميل وصبرك على ذلك. 5ـ عدم مقابلة إساءتهم بالمثل وما فيه من عمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل يشكو إليه سوء معاملة أقاربه له قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال: لئن كنت كما قلت فإنما تسفهم المل (الرماد الحار) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. رواه مسلم. ثم نقول لهؤلاء الأخوات فإن الأولى بكن والأحرى أن تعرفن لأختكن حقها وتقدرن لها قدرها، وتضحيتها فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. وأخيرا نقول للأخت فإن المؤمن كيس فطن، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، فاحرصي على ما ينفعك، وخذي بالأسباب ومنها: البحث عن سبب كرههن لك لا سيما وأنهن متدينات وأنت لم تسيئي إليهن، ونرى أن تجلسي معهن جلسة مصارحة وتسأليهن ماذا ينقمن منك؟ وتذكريهن بما تقدمينه من أجلهن أو توسطي بينك وبينهن أمك أو أحد أقاربك ليحل الخلاف بينكن، ثم لماذا لا يسعى زوجك في بناء مسكن يضمكما بحيث لا يكون لأحد عليكما منة، وتساعدينه في ذلك مع بقائك على رعاية أخواتك وأمك. ونسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
‰10 صفر 1426