الرد على شبهة قلة الأحاديث في صحيح البخاري بالنسبة لحفظه

ƒـ[أرجو منكم الرد على شبهة قلة الصحيح في محفوظ الإمام البخاري؟]ـ

^الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالبخاري هو: الإمام الحافظ الحجة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجُعفي أبو عبد الله البخاري، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث.

وهذه الجملة لم يصف بها ابن حجر أحداً غيره، وهي تشتمل على الثناء عليه في حفظه وفقهه، وهذا مما لا شك فيه.. فترتيب صحيحه وتقطيع أحاديثه أكبر دليل على فقهه، وأما حفظه فهو ما شهد له به أقرانه ومن بعدهم، ولم تحصل هذه الشهادة له إلا بعد الاختبار والتجربة، ومن ذلك القصة التي رواها الخطيب البغدادي بسنده أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا، وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوه إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، ففعلوا، فكان البخاري كلما سمع حديثاً منها قال: لا أعرفه، حتى انتهوا جميعاً.. قال للأول منهم أما حديثك الأول فهو كذا وأما الثاني فهو كذا.. حتى فرغ من عشرتهم، يرد على كل واحد منهم أحاديثه مرتبة مصححة، قال الحافظ نقلاً عن العراقي: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته، وإنما العجب منه في كونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة. انتهى.

هذا هو حال الإمام البخاري ووصف بعض العلماء له، وهذا يدل على أن الجملة التي أوردها السائل غير صحيحة، بل لو قال: لماذا كانت الأحاديث التي في صحيح البخاري قليلة بالنسبة لحفظه من الصحيح؟ لكان ذلك هو الصواب، فإن الإمام البخاري رحمه الله كان كثير الحفظ كما قدمنا، وقد قال عن نفسه: لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف ألف من كتابه.

قال ابن حجر في هدي الساري: وإنما عنى نفسه. انتهى.

فلعل السائل يقصد بما في السؤال ما ورد في هدي الساري لابن حجر عن محمد بن حمدويه قال: سمعت البخاري يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. انتهى.

فنقول: هذا القول من الإمام البخاري رحمه الله لا يعني قلة محفوظه من الصحيح، وإنما يعني قلتها بالنسبة لغير الصحيح، وغير الصحيح عندهم يشتمل على الحسن والضعيف، والحديث الحسن لم يكن مشهوراً في اصطلاح القدماء، فالتقسيم عندهم كان ثنائياً وهو:

1- الصحيح.

2- الضعيف.

وبهذا يتضح أن مقصود الإمام البخاري بالصحيح في هذه المقولة: ما بلغ درجة عالية من الصحة، وهذا لا ينفي أن في المائتي ألف الأخرى أحاديث صحيحة كثيرة لكنها لا تبلغ مبلغ الأولى، ولذا قال الإمام الحافظ السيوطي في ألفيته عن الإمامين البخاري ومسلم:

من الصحيح فوّتا كثيراً ... وقال نجل أخرم يسيرا

مراده أعلى الصحيح فاحمل ... أخذاً من الحاكم أي في المدخل

أي الذي فوتاه من الصحيح كثير جداً بالنسبة لما دوناه، وقول محمد بن يعقوب الأخرم إنما فوتا يسيراً من الصحيح محمول على ما كان في أعلى درجات الصحة، قال البخاري -رحمه الله-: وما تركت من الصحاح أكثر. انتهى.

وقد بين ذلك الإمام الحاكم في كتابه المدخل، حيث قسم الصحيح هناك إلى عشرة أقسام، أعلاها ما اختاره الشيخان، وبهذا يتضح الجواب عن الشبهة المذكورة، ولله الحمد والمنة، وراجع الفتوى رقم: 22640، والفتوى رقم: 13678.

والله أعلم.

‰01 ربيع الأول 1424

طور بواسطة نورين ميديا © 2015