عَلَى الْأَصَحِّ.
الثَّانِي: أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِعَشَرَةٍ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتهَا بِتِسْعَةٍ؟ وَجْهَانِ: إنْ قُلْنَا: يَجُوزُ فَهُنَا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِعَشَرَةٍ مُخَالِفٌ لِلْعَقْدِ بِتِسْعَةٍ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْرَارِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ إنَّا إذَا أَرَدْنَا بِالشَّهَادَةِ فِي الْأَلْفِ الزَّائِدِ لِوُقُوعِ الشَّهَادَةِ بِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى فَهَلْ نَرُدُّهَا فِي الْأَلْفِ الْمُدَّعَى بِهَا فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْقَبُولِ. وَالثَّانِي: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
وَاَلَّذِي أَقُولُهُ فِي ذَلِكَ وَأَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ أَنَّ هُنَا صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا وَهِيَ غَالِبُ مَا يَقَعُ: أَنْ يَدَّعِيَ بِسِتِّمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مِنْ جُمْلَةِ أَلْفِ وَعَشَرَةٍ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَيُحْضِرُ مَسْطُورًا مَثَلًا فِيهِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَفِيهِ رَسْمُ الشُّهُودِ وَنَسْأَلُهُمْ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ.
فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا رِيبَةَ عِنْدِي فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْكُلِّ.
وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَسْأَلَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) إذَا حَلَّفَ اثْنَيْنِ دَيْنًا فَادَّعَى أَحَدُ الِاثْنَيْنِ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَأَخُوهُ غَائِبٌ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِجُمْلَتِهِ حُكِمَ لَهُ بِنَصِيبِهِ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ.
(وَالثَّانِيَةُ) إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لَهُ وَلِرَجُلٍ بِكَذَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِنَصِيبِهِ وَبَقِيَ نَصِيبُ الرَّجُلِ إذَا حَضَرَ وَأَعَادَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ، فَفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِجُمْلَةِ الدَّيْنِ وَجُمْلَةِ الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْبَعْضَ فَهِيَ شَهَادَةٌ قَبْلَ الدَّعْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى نَصِيبِ الْغَائِبِ فَكَمَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلشَّهَادَةِ لِلْحَاضِرِ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا يُغْتَفَرُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلشَّهَادَةِ بِمَا ادَّعَى بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْفِقْهِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْأَسْبَابِ مِنْ الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَنَحْوِهَا.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَهِيَ إلَى الْحُكَّامِ فَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ وَالشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِسَبَبِهِ هَكَذَا غَالِبُ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَطْلُبُ أَمْرًا لَازِمًا فَهُوَ إنَّمَا يَذْكُرُ الِاسْتِحْقَاقَ وَالشَّاهِدُ فِي الْغَالِبِ لَا يَذْكُرُ الِاسْتِحْقَاقَ؛ لِأَنَّهُ لَا إطْلَاعَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ الْأَسْبَابَ، وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» أَشَارَ إلَى الشَّمْسِ طَالِعَةً، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ مُسْتَنَدَ الشَّاهِدِ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ وَغَالِبُ الْمَشْهُودِ بِهِ هَكَذَا مَحْسُوسٌ بِسَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ، وَالِاسْتِفَاضَةُ رَاجِعَةٌ إلَى السَّمْعِ.