وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ، وَمُسْتَنَدُهُمَا
الْمَصْلَحَةُ
، وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا عَمَلُ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ وَلَدُهُ سَيِّدُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو نَصْرٍ تَاجُ الدِّينِ سَلَّمَهُ اللَّهُ: أَمْلَى عَلَيَّ وَالِدِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ وَالِدِي عَنْ قِسْمَةِ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ ، وَهَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ لَا؟ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ رِضَا الْعَامِلِ أَمْ لَا؟ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ؟
(الْجَوَابُ) تَصِحُّ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْعَامِلِ وَيَبْقَى حَقُّهُ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا، وَلَكِنْ يَحْذَرُ مِنْ الرِّبَا بِأَنْ تَجْرِيَ الْقِسْمَةُ بَعْدَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ وَيَقَعُ فِي كُلٍّ مِنْ النَّصِيبَيْنِ فَيَصِيرُ بَيْعُ رُطَبٍ وَنَخْلٍ بِمِثْلِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.
هَذَا الْجَوَابُ الْجُمَلِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا التَّفْصِيلِيُّ فَالْكَلَامُ فِي فَصْلَيْنِ بَيْعُ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا ثُمَّ قِسْمَتُهَا.
أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: بَيْعُ الْحَدِيقَةِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ تُشْبِهُ بَيْعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا، نَعَمْ فِي فَتَاوَى صَاحِبِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْمَالِكَ إنْ بَاعَهَا قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِي ثِمَارِهَا فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ الثَّمَرَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَشْجَارِ وَنَصِيبُ الْمَالِكِ مِنْ الثِّمَارِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ مَعَ الْأُصُولِ وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ، وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا لَمْ يَصِحَّ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَتَعَذُّرُهُ فِي الشَّائِعِ. انْتَهَى.
وَاسْتَحْسَنَ النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِبَيْعِ الثَّوْبِ عِنْدَ الْقَصَّارِ الْأَجْرُ عَلَى قِصَارَتِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَكُلُّ عَيْنٍ ثَبَتَ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ حَقُّ حَبْسِهَا لِيَسْتَوْفِيَ مَا وَجَبَ لَهُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ أَجْرًا.
قَالَ: وَبَعْضُ النَّاسِ كَانَ يَقُولُ: يَتَّجِهُ أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَامِلَ قَدْ اسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ الَّذِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ وَغَفَلَ عَنْ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْمَأْخَذِ.
وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: كِلَا الْكَلَامَيْنِ مُعْتَرِضٌ، أَمَّا كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ فَلِأَنَّهُ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ بِأَنَّ لِلْعَامِلِ جُزْءًا فِي الثَّمَرَةِ