مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ) لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا فَادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي قَالَ الْقَفَّالُ وَتِلْمِيذُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أُلْزِمُ بِدَفْعِ الْحَقِّ وَكَانَ دَعْوَاهُ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءُ دَعْوَى أُخْرَى وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْحَقِّ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ إنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ سُمِعَتْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ حَلَفَ الْمُدَّعِي ثُمَّ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّأْخِيرَ لِإِحْضَارِ بَيِّنَةٍ لَمْ يُمْهَلْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا مُعَارَضَةَ فِيهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَدْ أَقَرَّ فَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الْغَائِبِ.
(مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ) ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ غَائِبٍ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ: أَبْرَأَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمَرْنَاهُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَالتَّأْخِيرُ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ لَا وَجْهَ لَهُ مَعَ إقْرَارِهِ بِلَا مُعَارَضَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
(مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ) ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ: إنْ أَتْلَفَ لِي مَالًا بِنَظِيرِ ذَلِكَ لَمْ يُسْمَعْ بَلْ عَلَيْهِ مُصَادَمَةُ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقَيِّمُ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَّفَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَعَلَهُ خَلِيفَةَ الْوَكِيلِ وَسَبَبُهُ إقْرَارُهُ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِمَا.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ لَكِنَّ الظَّاهِرَ فِي التَّحْلِيفِ لِإِمْكَانِهِ وَفِيهِمَا عَدَمُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَعَدَمِ فَائِدَتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ) لَوْ كَانَ الْحَقُّ الْمُدَّعَى بِهِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ عَلَى غَائِبٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَوْ عَلَى حَاضِرٍ فَأَقَرَّ وَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْ وَالِدِ الصَّبِيِّ الْمَيِّتِ فَأَمَّا الْحَاضِرُ فَيَتَّجِهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ لِيَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يُؤَخَّرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ لِيَحْلِفَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالِاحْتِمَالِ؛ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ الْحَلِفُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ وَهُوَ كَالْحَاصِلِ.
(مَسْأَلَةٌ سَادِسَةٌ) لَوْ كَانَ الْحَقُّ لِصَبِيٍّ عَلَى صَبِيٍّ.
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: احْتِمَالَيْنِ فِي التَّأَخُّرِ إلَى الْبُلُوغِ فَيَحْلِفُ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ وَاقْتَضَى هَذَا الْبِنَاءُ وُجُوبَ الْآخَرِ مِنْ عَدَمِ الْحُكْمِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ،