فتاوي السبكي (صفحة 97)

اسْتَعْمَلُوا بَعْدَ " إلَّا " شَيْئَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُمَا عَامَّانِ فَإِذَا قُلْت مَا ضَرَبَ إلَّا زَيْدٌ عَمْرًا فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَا عَامَّ لَهُمَا أَوْ لَهُمَا عَامَّانِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.

الْأَوَّلُ يُخَالِفُ الْبَابَ وَالثَّانِي يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ ثَبَتٍ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي الِاثْنَيْنِ جَازَ فِيهِمَا فَوْقَهُمَا، وَذَلِكَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ وَالثَّالِثُ يُؤَدِّي إلَى اللَّبْسِ فِيمَا قَصَدَ فَلِذَلِكَ حَكَمُوا بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُفَرَّغَ إنَّمَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ وَيُؤَوَّلُ مَا جَاءَ عَلَى مَا يُوهِمُ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ فَإِذَا قُلْت مَا ضَرَبَ إلَّا زَيْدٌ عَمْرًا فِيمَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهُ لِضَرَبَ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَمَّنْ ضَرَبَ فَقَالَ " عَمْرًا " أَيْ ضَرَبَ عَمْرًا قَالَ الْحَدِيثِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَخْتَارَ الثَّالِثَ وَيَقُولُ الْعَامُّ لَا يُقَدَّرُ إلَّا لِلَّذِي يَلِي " إلَّا " مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْعَامَّ إنَّمَا يُقَدَّرُ لِلْمُسْتَثْنَى الْمُفَرَّغِ لَا لِغَيْرِهِ وَالْمُسْتَثْنَى مُفَرَّغٌ هُوَ الَّذِي يَلِي " إلَّا ".

فَلَا يَحْصُلُ اللَّبْسُ أَصْلًا فَثَبَتَ أَنَّ جَوَابَ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَا يَتِمُّ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمَالِي أَيْضًا نَعَمْ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لِأَنَّ مَعْنَى جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مَا مِنْهُمْ زَيْدٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْمَلَ مَا قَبْلَ " إلَّا " فِيمَا بَعْدَهَا لِمَا لَاحَ أَنَّ " إلَّا " بِمَثَابَةِ " " مَا وَإِلَّا " فِي صُوَرٍ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ، وَهِيَ إعْمَالُ مَا قَبْلَ " إلَّا " فِي الْمُسْتَثْنَى الْمَنْفِيِّ عَلَى أَصْلِهِ، وَفِيمَا بَعْدَ " إلَّا " الْمُفَرَّغَةِ وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى الْمُفَرَّغُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، نَحْوُ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ عَلَى الْبَدَلِ وَفِيمَا بَعْدَ " إلَّا " الْمُفَرَّغَةِ الْمُسْتَثْنَى الْمُفَرَّغُ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا نَحْوُ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ عَلَى الْبَدَلِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِفَتِهِ، لِأَنَّهُ يَكْثُرُ الْإِضْمَارُ إنْ قُدِّرَ الْعَامِلُ بَعْدَ " إلَّا " فِي الصُّورَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا نَحْوُ مَا قَامُوا إلَّا زَيْدًا، وَمَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ، وَمَا جَاءَ إلَّا زَيْدًا الْقَوْمُ، وَمَا مَرَرْت بِأَحَدٍ إلَّا زَيْدًا خَيْرٍ مِنْ عَمْرٍو، وَأَنْ لَا يَجُوزُ مَا ضَرَبَ إلَّا زَيْدٌ عَمْرًا، وَلَا إلَّا عَمْرًا زَيْدٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَا شَيْئَيْنِ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَا يَلِي " إلَّا " دُونَ الْأَخِيرِ يَكُونُ مَا قَبْلَهُ عَامِلًا فِيمَا بَعْدَهُ فِي غَيْرِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَمَا وَرَدَ قُدِّرَ عَامِلُ الثَّانِي فَتَقْدِيرُ: مَا ضَرَبَ إلَّا عَمْرًا زَيْدٌ ضَرَبَ زَيْدٌ. وَذَهَبَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ إلَى جَوَازِ التَّقْدِيمِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ الْقَصْرِ: وَلَك أَنْ تَقُولَ فِي الْأَوَّلِ: مَا ضَرَبَ إلَّا عَمْرًا زَيْدٌ، وَفِي الثَّانِي مَا ضَرَبَ إلَّا زَيْدٌ عَمْرًا، فَتُقَدِّمُ وَتُؤَخِّرُ، إلَّا أَنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ لَمَّا اسْتَلْزَمَ قَصْرَ الصِّفَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا عَلَى الْمَوْصُوفِ قَلَّ وُرُودُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَقْصُورَةَ عَلَى عَمْرٍو فِي قَوْلِنَا مَا ضَرَبَ زَيْدٌ إلَّا عَمْرًا؛ هِيَ ضَرْبُ زَيْدٍ، لَا الضَّرْبُ مُطْلَقًا.

وَالصِّفَةُ الْمَقْصُورَةُ عَلَى زَيْدٍ فِي قَوْلِنَا مَا ضَرَبَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015