الرَّاجِحُ مَرْجُوحًا وَالْمَرْجُوحُ رَاجِحًا.
وَلَوْ بَانَ تَعَارُضُ بَيِّنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ تَعَارُضُهُمَا مُسْتَقِرٌّ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى التَّرْجِيحَ فِي الْبَيِّنَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَيَقْطَعُ بِاسْتِوَاءِ الْمَانِعِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ، وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّهُ مَتَى بَانَ الْخَطَأُ قَطْعًا نُقِضَ قَطْعًا وَمَتَى بَانَ الْخَطَأُ ظَنًّا فَفِي بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ مَعَ الْخَارِجِ يُنْقَضُ فِي الْأَصَحِّ وَفِي الدَّلِيلَيْنِ لَا يُنْقَضُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّنَّ فِي الْيَدِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَهُوَ اعْتِقَادُ رُجْحَانٍ.
وَفِي الدَّلِيلَيْنِ رُجْحَانُ اعْتِقَادٍ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخَطَأُ بَلْ التَّعَارُضُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْقَطْعِ وَالظَّنِّ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ فَقَدْ ذَكَرْنَا احْتِمَالَيْنِ وَلَمْ نَجِدْ فِيهِمَا نَقْلًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وَيَتَرَجَّحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ وَكَيْفُ يُنْقَضُ حُكْمٌ مُحْتَمِلٌ لِلصَّوَابِ وَحِينَ صَدَرَ كَانَ عَنْ مُسْتَنَدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ فِيمَا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو عَبْدًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَانْتَزَعَهُ فَجَاءَ خَالِدٌ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ فَإِنْ قُلْنَا بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ مُقَدَّمَةٌ تَعَارَضَتَا لِاسْتِصْحَابِ الْمِلْكِ الْمَاضِي.
وَإِنْ قُلْنَا لَا تُقَدَّمُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا تَتَعَارَضَانِ، وَالثَّانِي لَا تَتَعَارَضَانِ حَتَّى تُعِيدَ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى الشَّهَادَةَ لِأَنَّ شَرْطَ التَّعَارُضِ أَنْ يَكُونَ حِينَ التَّنَازُعِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا الْحُكْمُ إذَا قُلْنَا بِالتَّعَارُضِ أَوْ بِعَدَمِهِ.
وَاَلَّذِي فَهِمْتُهُ أَنَا إنْ لَمْ نَقُلْ بِالتَّعَارُضِ نَقْضِي لِلثَّانِي إلَّا أَنْ تُعِيدَ الْبَيِّنَةُ الشَّهَادَةَ فَيَحْصُلُ التَّعَارُضُ إمَّا بِالْإِعَادَةِ إنْ شَرَطْنَاهَا وَإِمَّا بِدُونِهَا. فَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْمَةِ أَوْ الْقُرْعَةِ فَالتَّفْرِيعُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّسَاقُطِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَبْقَى فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُرَدُّ إلَى ذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ بِالشَّكِّ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ أَطْلَقَتْ الْمِلْكَ أَمَّا إذَا أَسْنَدَتْهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَأَعَادَتْ الْأُولَى الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ أَوْ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ إعَادَتُهَا فَالتَّعَارُضُ حَاصِلٌ.
وَالْوَجْهُ أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَدَ قَدْ عَرَفَتْ سَبَبَهَا فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَالْبَيِّنَتَانِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ مُتَقَاوِمَتَانِ وَهُمَا شَاهِدَتَانِ الْآنَ بِالْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَيَتَعَيَّنُ رَفْعُ الْيَدِ وَتَبْقِيَةُ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُنَا مِثْلُ هَذَا فِي تَعَارُضِهِمَا فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْقِيمَةِ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِالْحَقِّ. وَغَايَتُهَا أَنَّ بِالتَّعَارُضِ تُجْهَلُ