فِي الْغَنِيمَةِ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَالْكَنِيسَةُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ بَلْ هِيَ عِنْدَهُمْ كَالْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا فَتَكُونُ كَالْمُبَاحَاتِ، وَيَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْكَنِيسَةَ إنْ كَانَتْ وُقِفَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ فَهِيَ مَسْجِدٌ كَمَا قَدَّمْنَا وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ فَتَكُونُ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا فَتَكُونُ غَنِيمَةً.
وَيُجَابُ بِأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ بَعْدَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا لِأَنَّا نَنْظُرُ إلَى اعْتِقَادِهِ كَمَا نَنْظُرُ إلَيْهِ فِي أَنْكِحَتِهِمْ وَهُمْ هَذَا الْفِعْلُ عِنْدَهُمْ مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ الْمِلْكِ فَأَخْرَجَنَا عَنْ مِلْكِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُرْمَةَ الْمَسَاجِدِ وَتَصِيرُ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ إذَا انْهَدَمَتْ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْإِعَادَةِ فَإِذَا هَدَمَهَا هَادِمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ هَدَمَهَا هَادِمٌ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَيْضًا أَمَّا إذَا قُرِّرَتْ وَانْهَدَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ هَدَمَهَا هَادِمٌ فَلَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا لِأَنَّهُ سَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي كَلَامِهِ بِخِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَلْ يَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ عَلَى الْكَنِيسَةِ الْقَائِمَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ
الْمَصْلَحَةَ
قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ. قُلْت قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ سُلَيْمٌ وَالْبَنْدَنِيجِيّ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ رَآهُ فِي الْأُمِّ إذْ قَالَ: وَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ كَنِيسَةٌ أَمْ بِنَاءٌ طِيلَ بِهِ بِنَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ هَدْمُهَا وَلَا هَدْمُ بِنَائِهِمْ وَتَرَكَ كُلًّا عَلَى مَا وَجَدَهُ، وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْ الْبِنَاءِ الَّذِي يُطَايِلُ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبٌ أَنْ يَجْعَلُوا بِنَاءَهُمْ دُونَ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِشَيْءٍ. وَهَذَا إذَا كَانَ مِصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَحْيَوْهُ أَوْ فَتَحُوهُ عَنْوَةً وَشَرَطُوا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ هَذَا.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَعَلَى هَذَا حَمَلْنَا أَمْر الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسِ الَّتِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. قُلْت وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا التَّقْرِيرَ فِي حُكْمِ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّا كَمَا قَرَّرْنَا جَعَلْنَاهَا كَالْمَوَاتِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَجَعْلُهَا الْآنَ كَنِيسَةً إحْدَاثٌ لَهَا.
وَكُنْت أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ غَلَطٌ لِدُخُولِهَا فِي الْغَنَائِمِ ثُمَّ رَجَعْت عَنْ التَّغْلِيطِ لِمَا قَدَّمْته أَنَّهَا لَيْسَتْ بِغَنِيمَةٍ وَاقْتَصَرْت عَلَى التَّضْعِيفِ لِمَا ذَكَرْت وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ أَوْ لَا وَيَكُونُ التَّقْرِيرُ إنْشَاءَ فِعْلٍ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ تَرْكًا مُجَرَّدًا