فتاوي السبكي (صفحة 858)

بِالْغُلُولِ أَوْ بِالتَّوَلِّي عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَفِرَارِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْحَرْبِ.

رَوَى الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ» الْحَدِيثَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ ابْنُ الْعَاصِ قَالَ «كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: كِرْكِرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا» . وَعَنْهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ فَيُخَمِّسُهُ فَيَقْسِمُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِمَامٍ مِنْ شَعْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فِيمَا كُنَّا أَصَبْنَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَ أَسَمِعْتَ بِلَالًا قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاعْتَذَرَ، فَقَالَ كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ عَنْك» . صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

وَخَبَرُ مِدْعَمٍ فِي خَيْبَرَ مَشْهُورٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» . وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ «رَجُلًا تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَلُّوا عَلَيْهِ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ الْيَهُودِ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ» ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا وَجَدْتُمْ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ» فَوُجِدَ فِي مَتَاعِ غَالٍّ مُصْحَفٌ فَقَالَ سَالِمٌ بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْخُلَفَاءَ مَنَعُوا الْغَالَّ سَهْمَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْغُلُولُ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لِلَّهِ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْنَا مِنْ عِنْدَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] فَمَنْ غَلَّ فَقَدْ عَانَدَ اللَّهَ، وَإِنَّ الْمُجَاهِدِينَ تَقْوَى نُفُوسُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَالثَّبَاتِ فِي مَوَاقِفِهِمْ عِلْمًا مِنْهُمْ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا غُلَّ مِنْهَا خَافُوا أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهَا نَصِيبُهُمْ فَيَفِرُّونَ إلَيْهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْذِيلًا لِلْمُسْلِمِينَ وَسَبَبًا لِانْهِزَامِهِمْ كَمَا جَرَى لَمَّا ظَنُّوا يَوْمَ أُحُدٍ فَلِذَلِكَ عَظُمَ قَدْرُ الْغُلُولِ، وَلَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ وَسُمِّيَ غُلُولًا؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِيهِ مَغْلُولَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي خِفْيَةٍ وَأَصْلُهُ الْغَلَلُ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي تَحْتَ الشَّجَرِ لِخَفَائِهِ وَمِنْهُ غِلُّ الصَّدْرِ. انْتَهَى مَا قَالَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015