مَالِكٍ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّاحِرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يُقْتَلُ كُفْرًا وَحَالٌ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَحَالٌ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا بَلْ يُعَزَّرُ.
أَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا كُفْرًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْ يَعْمَلَ بِسِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ. وَشَرَحَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ:
(أَحَدُهَا) أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ هُوَ كُفْرٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ وَمَتَى تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ.
(الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْتَقِدَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ بِأَنْفُسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَتْلُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ.
(الْمِثَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا قِصَاصًا فَإِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إنْسَانًا فَكَمَا قَالَهُ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِهِ وَإِنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَاهُنَا يُقْتَلُ قِصَاصًا وَلَا يُثْبِتُ هَذِهِ الْحَالَةَ إلَّا الْإِقْرَارُ وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالتَّوْبَةِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي لَا يُقْتَلُ فِيهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ فَهِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا اعْتَرَفَ بِإِتْلَافِهِ بِهِ كَمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ رُوَالَهُ لَا بِقَتْلِ عَيْنٍ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ، وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» قُلْت الْقَتْلُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَفِي الْحَالَة الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَامْتَنَعَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِحْدَى الثَّلَاثِ فَلَا يَحِلُّ دَمُهُ فِيهَا عَمَلًا بِصَدْرِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الصَّادِرَةُ عَلَى السَّاحِرِ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا شَيْءٌ يَقْتَضِي الْقَتْلَ وَوَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» وَضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادَهُ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ يَعْنِي فَيَكُونُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ بَعْضَ يَهُودَ سَحَرَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ وَلَا عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعَفْوِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ وَالْمَصْلَحَةُ الَّتِي اقْتَضَتْ تَرْكَ إخْرَاجِهِ