عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَعْقُبْهُ بِنَكِيرٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمْ لَا وَهَلْ لِمُسْتَدِلٍّ شَافِعِيٍّ أَنْ يَقُولَ: اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى خُرُوجِهَا مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا هَلْ تَجِدُ لَهَا كَافِيًا يَكْفِيهَا ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهَذَا لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا فَهَلْ لِمَانِعٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَافِلٌ يَكْفِيهَا ذَلِكَ فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ مَقْبُولٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْنَا هَذَا مِنْ الْمَانِعِ فَهَذَا يَرُدُّ عَلَى كُلِّ حَدِيثٍ أَخَذَ الِاسْتِدْلَالَ مِنْهُ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِفْصَالَ أَمْ لَا؟
وَإِذَا وَرَدَ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالَ فَهَلْ يَكُونُ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ جَوَازُ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ الْوَاقِعَةَ مِنْ حَالِ السَّائِلِ؟ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ حَالَ السَّائِلِ فَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ لِكَوْنِهِ عَلِمَ وَالسَّامِعُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ وَلَا بَيَّنَهُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِغَيْرِهِ فَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَبْقَى ذَلِكَ شَرْعًا عَامًّا وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْمَحْذُورِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا كَافِيًا أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا لَنَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا وَاضِحًا بِحَيْثُ يَزُولُ اللَّبْسُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَعَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ.
(الْجَوَابُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بَابٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ وَالْجِدَادُ إنَّمَا يَكُونُ نَهَارًا، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا أَنْ تَخْرُجُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ.
وَمَأْخَذُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْبَائِنِ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهَا كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ فَتَخْرُجُ لِحَاجَتِهَا نَهَارًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ لِلْعُذْرِ الْمُلْجِئِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِهَا الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُلْجِئَةٍ، مِثْلُ شِرَاءِ الطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَبَيْعِ الْغَزْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ