احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَقَالَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُقَدِّرُ الْخَمْرَ خَلًّا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ: يُقَدَّرُ عَصِيرًا وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّهْذِيبِ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ نُقِلَ عَنْهُ تَقْدِيرُهُ خَلًّا، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَقِيلَ يُقْدَرُ شَاةً.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ بَقَرَةً وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اخْتِصَارِهِ شَاةٌ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهَا وَهَذَا مِنْ الْإِمَامِ يَشْعُرُ بِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ لَا يُعَيِّنُ الشَّاةَ وَلَا يُدَخِّلُ حَيَوَانًا يُقَارِبُهُ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ التَّقْدِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَنْزِلُ الْعَقْدُ وَاقْتِضَاؤُهُ التَّقْسِيطَ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّقْدِيرُ عَصِيرًا أَوْ خَلًّا أَوْ شَاةً أَوْ بَقَرَةً لَمْ يَقْصِدْهَا الْمُتَعَاقِدَانِ وَتَقْسِيطُ الثَّمَنِ بِحَسَبِهَا فَذَلِكَ يُؤْثِرُ جَهَالَةً عَظِيمَةً لَا تُحْتَمَلُ وَتُفْضِي إلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ رَأْسًا لِلْإِجَازَةِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ وَعَدَمَ تَقْدِيرِ مَالٍ آخَرَ اتِّفَاقُهُمْ فِيمَا أَوْصَى بِكَلْبٍ وَخَمْرٍ مُحَرَّمَةٍ وَطَبْلٍ لِهَؤُلَاءِ يَمْلِكُ غَيْرَهَا أَنَّهُ يَعْتَبِرُ مِنْ الثُّلُثِ قِيمَتَهَا، وَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّقْدِيرِ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا هِيَ بِتِلْكَ الْحُقُوقِ وَتَقْدِيرُهَا مَالًا آخَرَ قَدْ يُفْضِي إلَى خِلَافِ الْغَرَضِ وَالزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ عَلَى مَا يَقْتَضِيه ثُلُثُ تِلْكَ الْحُقُوقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَهَكَذَا الْمَأْخَذُ فِي بَابِ التَّفْرِيقِ فَلِيَكُنْ كَذَلِكَ.
وَقَدْ مَالَ الْإِمَامُ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا إبْطَالُ الْعَقْدِ أَوْ الْإِجَازَةُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَوَّلُ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ وَالثَّانِي قَالَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ الْأَصَحَّ الْإِجَازَةُ بِالْقِسْطِ وَمَأْخَذُ الْقَائِلِ بِالتَّقْدِيرِ إنَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الصِّحَّةِ وَالتَّقْسِيطِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا قِيمَةَ لَهُمَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَا تَحْقِيقًا كَالْعَبْدِ وَلَا حُكْمًا كَالْحُرِّ فَلَا وَجْهَ إلَّا اعْتِبَارَهُمَا بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يَقْرَبُ مِنْهُمَا فِي الصُّورَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَيُقَدِّرُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ الْمُقَابَلَةَ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ إيقَاعِهَا عَلَى عَيْنِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَعَلَّقَتْ شَرْعًا بِأَعْيَانِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَهَذَا وَجْهٌ فِي إبْدَاءِ مَأْخَذِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ: الْمُقَابَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُمْتَنِعَةٌ فِي الْمُعَيَّنِ وَفِي بَدَلِهِ الْمُقَدَّرِ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ خَلٍّ أَوْ شَاةٍ مُبْهَمَةٍ وَالتَّوْزِيعُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا وَرَدَ الْعَقْدُ.
وَالْمُقَابَلَةُ الَّتِي قَصْدَهَا الْمُتَعَاقِدَانِ