وَالِدِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهَا أَوْ غَاصِبِ تِلْكَ الْجَارِيَةِ، وَهَذِهِ قِسْمَةٌ حَاضِرَةٌ لِدَوَرَانِهَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْفَيْءُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ اعْتِمَادُ الْمُشْتَرِي عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ وَدَعْوَى الْبَائِعِ الْمِلْكَ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْمِلْكِ وَأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ لِتَوَهُّمِهِ مَا لَيْسَ سَبَبًا سَبَبًا وَمَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ كَيْفَ يُسَوِّغُ الِاعْتِمَادَ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا عَمَلٌ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى مَنْ لَهُ نَظَرٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ أَحَلَّهَا فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا كَرِهَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا وَلَا الْكَذِبُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَاكٌّ وَإِنْ أَرَادَ مَعَ الظَّنِّ الرَّاجِحِ عَلَى الْكَذِبِ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ لَهُ حَقٌّ فِيهَا، وَالْفَيْءَ مَصْرِفُهُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مِسْكِينًا وَلَا هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا وَلَا يَتِيمًا فَقِيرًا وَلَا ابْنَ السَّبِيلِ وَلَا مُقَابِلًا لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا خُمُسُ الْخُمُسِ الَّذِي لِلْمَصَالِحِ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَنَحْوِهِ.
فَالْجَارِيَةُ لَا شُبْهَةَ لِلْإِنْسَانِ فِي غَيْرِ خُمُسِ خُمُسِهَا فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ تَوَهَّمَ الشَّخْصُ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الَّذِي لِلْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِبَعْضِ حَقِّهِ أَوْ بِمَا يُمَكِّنُهُ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ فَأَيُّ مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي تَسَرِّيه بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا مَصْلَحَةٌ لَهُ وَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّسَرِّي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمِلْكِ الصَّحِيحِ، وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَقُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ فَذَاكَ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمِلْكِ فَيَسْتَخْدِمُ الْجَارِيَةَ مَثَلًا وَيُخْدِمُهَا غَيْرَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَسُوغُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا بِالْإِبَاحَةِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ، أَمَّا التَّسَرِّي فَإِنَّ الشَّارِعَ حَصَرَهُ فِي الْمِلْكِ وَكَيْفَ يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ فِي الْقَوَاعِدِ: مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ مَلَكَهُ بِانْفِرَادِهِ.
وَاَلَّذِي يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ تَقْلِيدًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ دَلِيلٍ يُسَوِّغُ لَهُ أَوْ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِتَرْكِ تَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ إلَى تَقْلِيدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْتَقِلُ مِنْ تَقْلِيدِ الْفَاضِلِ إلَى