نِكَاحُهُمَا، وَكَانَ حُدُوثُ الْعِتْقِ عَلَى إحْدَى اثْنَتَيْنِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ تَحْتَ عَبْدٍ لَا يَدْفَعُ الِاخْتِيَارَ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ " إنَّ حُدُوثَ الْعِتْقِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا أَثَرَ لَهُ " يُرِيدُونَ بِهِ فِي الْمَاضِي بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَوَاقِي فَلَا.
وَالْإِمَامُ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ الْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا دَلِيلَ يُعَضِّدُهُ وَمِنْ أَيْنَ لَنَا هَذَا الْإِطْلَاقُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَقُولُ: لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَاضِي وَلَهُ أَثَرٌ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّابِطِ طَرْدًا وَعَكْسًا عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ بِالْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الدَّاعِي؛ لِأَنَّ انْدِفَاعَ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ أَثَرِ الْعِتْقِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعِتْقَ بِخُصُوصِهِ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَقَوِيَ جِدًّا، وَلَا نَقُولُ: إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ وَالْفُورَانِيِّ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ اتِّجَاهٌ قَلِيلٌ وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ.
وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْغَزَالِيِّ فَنَسَبَهُ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِيَارًا لَهُ نَعْتَمِدُهُ وَصَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ نِكَاحُ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ قَالَ: وَقَدْ يَتَكَلَّفُ الْمُتَكَلِّفُ لَهُ تَأْوِيلًا بِأَنْ يَقُولَ: أَرَادَ بِمَا إذَا اخْتَارَ الْعَتِيقَةَ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى أَنَّا نُلَاحِظُ وَقْتَ الِاجْتِمَاعِ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ: لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّ الْغَزَالِيَّ لَاحَظَ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِلْحُرَّةِ وَإِمْكَانِهِ كَنَفْسِ اخْتِيَارِهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ فِيمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ أُخْتَانِ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمُوا فَاخْتَارَ إحْدَاهُمَا لِلنِّكَاحِ وَكَانَ كَالِاخْتِيَارِ فِي التَّسَيْطُرِ، وَكَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى إمَاءٍ وَأَسْلَمَتْ مَعَهُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ بَعْدَ إعْسَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْأُولَى حَصَلَ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لَهَا فَكَانَ كَاخْتِيَارِهَا، ثُمَّ اعْتَرَضَ ذَلِكَ وَأَجَابَ وَقَالَ: إنَّهُ بَحْثٌ حَسَنٌ حَرَّكْته لِنَنْظُرَ فِيهِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِمَا قَدِمْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يَجْعَلُ ابْتِدَاءَ إسْلَامِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَيَكُونُ عَقْدُ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا حَادِثًا فِي الدَّوَامِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُؤْثِرُ فِي دَوَامِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ إذَا أَسْلَمَتَا؟ .
قُلْت: لِهَذَا وَغَيْرِهِ قُلْنَا: إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ بَاطِلًا قَطْعًا وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا أَصَرَّتَا