بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثُرَتْ الْفُتُوحُ وَالْأَمْوَالُ فِي زَمَانِهِ وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسُدُّ خَلَلَ الْمُحْتَاجِينَ عَنْهُمْ، وَبَعْدَ كِفَايَةِ الْمُحْتَاجِينَ لَوْ حَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ فِي الزَّائِدِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ كَانَ الصَّرْفُ إلَى الْمَفْضُولِ مَا زَادَ مِنْ كِفَايَتِهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَحِرْمَانِ الْفَاضِلِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَاجَةِ غَيْرِهِ إلَيْهِ يَحْسُنُ لِحَقِّهِ فَاقْتَضَتْ الْحَالَةُ التَّفْضِيلَ.
وَفِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَكُنْ فُتُوحٌ وَكَانَتْ الْأَرْزَاقُ قَلِيلَةً فَلَوْ أَعْطَى الْفَاضِلَ مَا يَسْتَحِقُّهُ لَبَقِيَ الْمَفْضُولُ الْمُحْتَاجُ جَائِعًا وَكِفَايَتُهُ وَاجِبَةٌ فَفَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي زَمَانِهِ مَا اقْتَضَاهُ حَالُهُ وَزَمَانُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرَى أَنَّ الدُّنْيَا بَلَاغٌ وَأَنَّ الْفَضَائِلَ تُحَالُ أَجْزَاؤُهَا عَلَى الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
وَرَتَّبْت عَلَى هَذَا الْبَحْثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي الْمَصَالِحِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ زَمَانٌ شَدِيدٌ عَلَى النَّاسِ يُقَدِّمُ سَدَّ الْخَلَّاتِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَهْمَا أَمْكَنَهُ وَبَعْدَهَا يَنْظُرُ فِي الْفَضَائِلِ لِئَلَّا يَضِيعَ الْمُحْتَاجُونَ.
وَهَذَا فِي الْأَحْوَالِ الْعَامَّةِ أَمَّا الَّتِي هِيَ مَشْرُوطَةٌ بِوَصْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْوَصْفِ مَرَاتِبُ أَدْنَى وَأَعْلَى فَتَقْتَضِي الْحَاجَةُ الِاكْتِفَاءَ بِالْأَدْنَى وَعِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لَا يَكْتَفِي بِالْأَدْنَى وَيَطْلُبُ الْأَعْلَى، وَوَقْتُنَا هَذَا وَقْتٌ صَعْبٌ عَلَى النَّاسِ فَأَنَا أَمِيلُ فِيهِ إلَى سَدِّ الْخَلَّاتِ مَا أَمْكَنَ انْتَهَى.
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» فِيهِ مَسَائِلُ:
(الْأُولَى) لَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورَثُ. فَقَوْلُهُ " وَرَثَتِي " إمَّا أَنْ يُقَالَ: وَرَثَتِي بِالْقُوَّةِ لَوْ كُنْت مِمَّنْ أُورَثُ. وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ يَرِثُوا حَتَّى يَجِدُوا مَا يَرِثُونَهُ وَجَمِيعُ مَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَقَلَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِقَوْلِهِ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَيَكُونُ وَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَةِ وَرَثَةِ غَيْرِهِ الَّذِينَ لَمْ يَجِدُوا مَا يَرِثُونَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ إنَّمَا سَلَبُوا الْوَرَثَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ فَسَمَّاهُمْ وَرَثَةً بِاعْتِبَارِهِمْ حِينَئِذٍ ثُمَّ سَلَبَ عَنْهُمْ الْإِرْثَ بِتَمَامِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِتَمَامِهِ.
وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الثَّالِثَةَ الْمُحَصِّلَةُ لَا يُقْتَضَى وُجُودُ مَوْضُوعِهَا فَلَا تَقْتَضِي الصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ وُجُودَ وَرَثَةٍ.
وَإِنْ صَحَّ هَذَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُضَافِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت " لَا يَقُومُ ابْنُ زَيْدٍ " يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ زَيْدًا لَهُ ابْنٌ وَصَدَقَ هَذَا الْكَلَامُ بِكَوْنِ زَيْدٍ لَا ابْنَ لَهُ لَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ إلَّا أَنَّ