فِي ذَلِكَ صُورَتَيْنِ:
(إحْدَاهُمَا) إذَا ادَّعَتْ الْوَرَثَةُ التَّلَفَ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى تَقْصِيرٍ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ وَرَتَّبَهُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ: إنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الضَّمَانِ يَعْنِي إذَا ادَّعَوْا ذَلِكَ وَأَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا عَلَيْهِ أَمَّا إذَا أَقَامُوا بَيِّنَةً بِتَلَفِهَا قَبْلَ الْمَرَضِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا.
(الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجْزِمْ الْوَرَثَةُ بِدَعْوَى التَّلَفِ وَلَكِنْ قَالُوا: لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التَّقْصِيرِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الضَّمَانَ وَالرَّافِعِيُّ نُقِلَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَيْسَ كَمَا نُقِلَ، وَكَانَ الرَّافِعِيُّ طَالَعَ أَوَّلَ كَلَامِ النِّهَايَةِ دُونَ آخِرِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّ الْأَصَحَّ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ الضَّمَانُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُهُ إنْ تَحَقَّقْنَا تَرْكَ الْإِيصَاءِ وَهُوَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي نِسْبَتِهِ إلَى التَّقْصِيرِ فَلَا نُسْقِطُهُ فِي الشَّكِّ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ وَافَقَ ظَاهِرَ النَّصِّ.
وَقَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا ادَّعَوْا التَّلَفَ أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ الضَّمَانِ لَعَلَّ مُسْتَنَدَهُمْ أَنْ نُقِيمَهُمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَنَقْبَلُ قَوْلَهُمْ فِيهِ بِيَمِينِهِمْ إذَا نَسَبُوهُ إلَى حَيَاةِ الْمُودَعِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمَنِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِدَعْوَى لَوْ قَالُوا: رَدَّهُ عَلَيْك مُوَرِّثُنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ ذَكَرَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، قَالَ الْبَغَوِيّ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا بِدُخُولِهَا فِي أَيْدِيهِمْ.
قُلْت: وَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنَهُمْ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِيمَا إذَا مَاتَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَجْأَةً وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَرَثَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِمْ تَسْلِيمُ شَيْءٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَفِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُولَى إذَا أَنْكَرُوا أَصْلَ الْإِيدَاعِ، وَقَدْ تُلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا إذَا لَمْ تُوصِ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْمَرَضِ ثُمَّ لَمْ نَجِدْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِلَا خِلَافٍ بِسَبَبِ التَّقْصِيرِ وَضَامِنٍ أَيْضًا بِسَبَبِ الْفَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِهَا عِنْدَ الْمَرَضِ فَلَيْسَ ضَامِنًا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَفِي ضَمَانِهِ بِالثَّانِي مَا سَبَقَ، أَمَّا إذَا أَوْصَى فَإِنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ عَدْلٍ ضَمِنَ إنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَإِنْ وَصَّى إلَى عَدْلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوَصِّ