أَوْلَادِهَا دُونَ إخْوَتِهَا الَّذِينَ هُمْ عَصَبَتُهَا.
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا وَهِيَ إذَا مَاتَتْ الْمُعْتِقَةُ وَخَلَّفَتْ ابْنَهَا وَأَخَاهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا وَتَرَكَ عَصَبَتْهُ كَأَعْمَامِهِ وَبَنِي عَمِّهِ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ وَتَرَكَ أَخَا مَوْلَاتِهِ وَعَصَبَتُهُ ابْنُهَا فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ مِيرَاثَهُ لِأَخِي مَوْلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ فَإِنْ انْقَرَضَ عَصَبَتُهَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ عَصَبَةِ ابْنِهَا وَبِهِ قَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَقُبَيْصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لِعَصَبَةِ الِابْنِ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ.
وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ كَمَا يُوَرَّثُ الْمَالُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُ هَذَا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يُوَرَّثُ وَإِنَّمَا يُوَرَّثُ بِهِ وَهُوَ بَاقٍ لِلْمُعْتِقِ يَرِثُ بِهِ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَصَبَاتِهِ لَمْ يَرِثْ شَيْئًا وَعَصَبَاتُ الِابْنِ غَيْرُ عَصَبَاتِ أُمِّهِ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ غَلَطٌ قَالَ حُمَيْدٌ: النَّاسُ يُغَلِّطُونَ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْت: وَالصَّحِيحُ الِاحْتِجَاجُ بِنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَكِنْ هُنَا نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى الْغَلَطِ فِيهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَتْنِ قَوْلُهُ: مَا أَحْرَزَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ، وَفِي رِوَايَةٍ " مَنْ كَانُوا " وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَكْبَرُ وَهَذَا سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِهِ النِّسَاءُ وَلَا الرِّجَالُ دُونَ الْفُرُوضِ وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مَدْلُولِ الْعَصَبَةِ فِي اللُّغَةِ، فَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَصَبَةُ الرَّجُلِ بَنُوهُ وَقَرَابَتُهُ لِأَبِيهِ سُمُّوا عَصَبَةً لِأَنَّهُمْ عَصَبُوا بِهِ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْعَصَبَةُ الْأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لِأَنَّهُمْ يَعْصِبُونَهُ وَيَعْتَصِبُ بِهِمْ أَيْ يُحِيطُونَ بِهِ وَيَشْتَدُّ بِهِمْ انْتَهَى.
وَهَذَا مَأْخَذٌ جَيِّدٌ فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ عَنْ اسْمِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِدَادَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالرِّجَالِ وَتَسْمِيَةُ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ، وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا تَأْخُذُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَنْ الْبِنْتِ وَهَذَا الْمُرَادُ بِتَسْمِيَتِهَا فِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ عَصَبَةٌ وَلِذَا تُعَصِّبُ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةُ لِأَخَوَاتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى اخْتِصَاصِ