وَإِنَّمَا احْتَاطَ لِنَفْسِهِ فَقَدَّمَهَا فَقَوِيَ عِنْدِي فِيهَا الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُرَّاءِ بَعْدَهُ لِظُهُورِ قَصْدِهِ لَهُ وَعَارَضَنِي فِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَوْلِي فِيمَا تَقَدَّمَ: إنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَتَعَارَضَ عِنْدِي فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَأْخَذَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْحَابَ بَنَوْا عَلَى هَذَا لَكِنَّ هَذَا يَحْتَجُّ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْوَقْفِ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمَّ بَكْرٍ فَمَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ بَكْرٍ لَا يَسْتَحِقُّ بَكْرٌ وَالصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ خِلَافُهُ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي لَيْسَ مَشْرُوطًا بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ بِعَدَمِهِ وَهُوَ يُنَاسِبُ قَوْلَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ.
فَعَلَى هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ يَنْبَنِي هَذَا الْفَرْعُ إنْ قُلْنَا الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا فِي الْوَقْفِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فَلَا يَصِحُّ وَيَبْطُلُ كُلُّهُ لِبُطْلَانِ أَوَّلِهِ.
وَإِنْ قُلْنَا الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِي لَيْسَ مَشْرُوطًا عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ وَاغْتُفِرَ التَّعْلِيقُ فِيهِ تَبَعًا فَالتَّبَعِيَّةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَوْتِ أَمَّا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَى التَّبَعِيَّةِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ تَابِعًا، وَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظُهُ الْأَمْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ لَفْظَةِ " ثُمَّ " لَهُمَا وَظَهَرَ قَصْدُهُ فِي أَحَدِ الْجِهَتَيْنِ جُعِلَ ظُهُورُ الْقَصْدِ تَرْجِيحًا لِمَا احْتَمَلَهُ لَفْظُهُ فَحَيْثُ ظَهَرَ قَصْدُ تَبَعِيَّةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَحَيْثُ قُصِدَ الثَّانِي وَذُكِرَ الْأَوَّلُ احْتِيَاطًا كَمَا فِي هَذَا الْفَرْعِ صَحَّ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَقْفِ وَمَا يَنْزِلُ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَلْفَاظَهُ إلَى قَوْلِهِ: لَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى بَطْنٍ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْبَطْنُ الَّذِي قَبْلَهُ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُ سِوَى وَلَدٍ وَاحِدٍ وَفِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَفِي الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْأَخِيرَةِ: وَإِنْ انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ وَنَسْلُهُمْ.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ جُمَلٍ ذُكِرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا ظَاهِرًا وَفِي وَاحِدَةٍ مُضْمَرًا وَالْمُضْمَرُ مَقْطُوعٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْكَوْرَسٍ وَلَاجِينَ وَخِضْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِمْ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَجَعَ عَلَى إخْوَتِهِمْ الْمَذْكُورِينَ