فتاوي السبكي (صفحة 709)

وَاحِدٌ عَلَيْهِمْ وَأَوْقَافٌ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ الْمَذْكُورِينَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِجَعْلِهِ مُتَعَدِّدًا كَانَ لِثَلَاثَةٍ فَصَارَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ لِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَنْقَرِضْ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَعْدَ مَا كَانَ جَعَلْنَاهُ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَقْفًا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ كَذَلِكَ.

وَإِنْ جَعَلْنَاهُ ثَلَاثَةً فَهَلْ يَصِيرُ اثْنَيْنِ أَوْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى حُكْمِ الثَّلَاثَةِ وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا وَقْفُهُ الْمُخْتَصُّ بِهِ وَنِصْفُ الْوَقْفِ الْآخَرِ وَلِأُخْتِهِ مِثْلُهُ؟ فِيهِ الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ قَدَّمْنَاهُمَا وَمِلْنَا مِنْهُمَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ شَرْطٌ لَا وَقْفٌ مُبْتَدَأٌ.

وَهَذَا بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِيهَا بَيَانُ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ أَمْرٌ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ ذَلِكَ فَمَا اللَّوْحُ الدُّنْيَا وَلَا قَاسِمَ؟ كَتَبْتُهَا فِي نَهَارِ الْأَحَدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ قَاعِدَةٌ أَيْضًا فِي الْمَفْهُومِ هَلْ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَوْقَافِ أَمْ لَا.

قَدْ عُلِمَ كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمَفْهُومِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَعَمَلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ بِهِ وَامْتِنَاعُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْهُ وَمَعَ كَوْنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ كُنْتُ أَسْمَعُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَفِي التَّصَانِيفِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِذَلِكَ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ أَلْفَاظٌ لَهَا مَفْهُومٌ وَأَمَّا مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟

وَاَلَّذِي فِي الرَّهْنِ لَا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَنَحْوَهُ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ أَلْفَاظُهُمْ وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّبَهَا أَسْبَابًا وَعَلَامَاتٍ عَلَى إثْبَاتِ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُثْبِتُهَا وَمُسَبِّبُهَا وَلَيْسَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى لَوْ عُلِمَ مُرَادُ الْوَاقِفِ بِدُونِ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مُثْبَتًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَكَمَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمُرَادِ وَلِذَلِكَ الْمَفْهُومِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي كَلَامِ النَّاسِ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ مُبْتَدَإٍ نَعَمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِيهِ فِي تَخْصِيصِ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدِ مُطْلَقٍ أَوْ بَيَانِ مُجْمَلٍ وَيَكُونُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الْعَامِّ الَّذِي عُلِمَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَفْهُومِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ عَمَلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015