أَسْمَائِهِ تَعَالَى فِي مَوْضِعَيْنِ فِي سُورَةِ غَافِرٍ وَفِي سُورَةِ الشُّورَى. فَيَكُونُ هَذَا مَوْضِعًا رَابِعًا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ الضَّمِيرَ هُنَا يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ هَذَانِ الِاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ أَيْضًا وَيَكُونُ مَعْنَى وَصْفِهِ بِهِمَا هُنَا أَنَّهُ الْكَامِلُ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ اللَّذَيْنِ يُدْرِكُ بِهِمَا الْآيَاتِ الَّتِي يُرِيهِ إيَّاهَا وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2] فَهَذَا يُحْتَمَلُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى نَقَلْنَاهُ مِنْ حَالَةِ النُّطْفَةِ إلَى حَالَةٍ عَظِيمَةٍ. وَمُحْتَمَلًا ابْتِلَاؤُهُ. فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ تَدَبُّرُهُ، وَتَدَبُّرُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْلِ، وَأَعْظَمُ الْحَوَاسِّ الْمُوَصِّلَةِ إلَى الْعَقْلِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ. فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَجِيءُ وَصْفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ أَكْمَلَ مِنْهُ فِي التَّدَبُّرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْبَصَرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
كَتَبَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ إلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ:
أَسَيِّدَنَا قَاضِي الْقُضَاةِ وَمَنْ إذَا ... بَدَا وَجْهُهُ اسْتَحْيَا لَهُ الْقَمَرَانِ
وَمَنْ كَفُّهُ يَوْمَ النَّدَى وَيَرَاعُهُ ... عَلَى طِرْسِهِ بَحْرَانِ يَلْتَقِيَانِ
وَمَنْ إنْ دَجَتْ فِي الْمُشْكِلَاتِ مَسَائِلُ ... جَلَاهَا بِفِكْرٍ دَائِمِ اللَّمَعَانِ
رَأَيْت كِتَابَ اللَّهِ أَكْبَرَ مُعْجِزٍ ... لِأَفْضَلَ مَنْ يَهْدِي بِهِ الثَّقَلَانِ
وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِعْجَازِ كَوْنُ اخْتِصَارِهِ ... بِإِيجَازِ أَلْفَاظٍ وَبَسْطِ مَعَانِ
وَلَكِنَّنِي فِي الْكَهْفِ أَبْصَرْت آيَةً ... بِهَا الْكُفْرُ فِي طُولِ الزَّمَانِ عَنَانِي
وَمَا هِيَ إلَّا اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَقَدْ ... يُرَى اسْتَطْعَمَاهُمْ مِثْلَهُ بِبَيَانِ
فَأَرْشِدْ عَلَى عَادَاتِ فَضْلِك حَيْرَتِي ... فَمَالِي بِهَا عِنْدَ الْبَيَانِ يَدَانِ
كَتَبَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
الْجَوَابُ. الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْله تَعَالَى {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [الكهف: 77] مُتَعَيَّنٌ وَاجِبٌ. وَلَا يَجُوزُ مَكَانَهُ اسْتَطْعَمَاهُمْ لِأَنَّ " اسْتَطْعَمَا " صِفَةٌ لِلْقَرْيَةِ فِي مَحَلِّ خَفْضٍ جَارِيَةٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ كَقَوْلِك أَتَيْت أَهْلَ قَرْيَةٍ مُسْتَطْعِمٍ أَهْلَهَا. لَوْ حَذَفْت أَهْلَهَا هُنَا وَجَعَلْت مَكَانَهُ ضَمِيرًا لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ هَذَا. وَلَا يَجُوزُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ إذَا جَعَلْت " اسْتَطْعَمَا " صِفَةً لِقَرْيَةٍ وَجَعْلُهُ صِفَةً لِقَرْيَةٍ سَائِغٌ عَرَبِيٌّ لَا تَرُدُّهُ الصِّنَاعَةُ وَلَا الْمَعْنَى، بَلْ أَقُولُ إنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
أَمَّا كَوْنُ الصِّنَاعَةِ لَا تَرُدُّهُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَصْفُ نَكِرَةٍ بِجُمْلَةٍ كَمَا