النِّعْمَةِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا. فَالثَّنَاءُ عَلَى الْمَحْمُودِ وَالْمَشْكُورِ وَبِسَبَبِهِمَا. وَالْحَمْدُ مَصْدَرٌ، وَالتَّعْرِيفُ إمَّا لِلْعَهْدِ، أَيْ الْحَمْدُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَكُمْ أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقَدْ أَجْمَعَ السَّبْعَةُ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الشَّوَاذِّ. (لِلَّهِ) اللَّامُ لِلِاسْتِحْقَاقِ. (رَبِّ) مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ حُذِفَتْ أَلِفُهُ كَبَارٍّ وَبَرٍّ.
وَلَا يُطْلَقُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ هُنَا: إمَّا السَّيِّدُ وَإِمَّا الْمَالِكُ أَوْ الْمَعْبُودُ أَوْ الْمُصْلِحُ (أَلْ) فِي الْعَالَمِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَجَمْعُ الْعَالَمِ شَاذٌّ، لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَشَذُّ لِاخْتِلَالِ الشُّرُوطِ وَحَسَّنَهُ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ. وَالْعَالَمُ اسْمٌ لِذَوِي الْعِلْمِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالثَّقَلَيْنِ وَقِيلَ بَلْ مَا عُلِمَ بِهِ الْخَلْقُ مِنْ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ وَقِيلَ الْمُكَلَّفُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22] وَلَا دَلِيلَ فِيهِ بَلْ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ. قَرَأَ {مَالِكِ} [الفاتحة: 4] بِالْأَلِفِ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ. وَقَرَأَ (مَلِكِ) بَاقِي السَّبْعَةِ. وَالْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا فِي الْمُتَوَاتِرِ.
وَبَيْنَ الْمَلِكِ وَالْمَالِكِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. لَكِنَّ الْمُلْكَ - بِضَمِّ الْمِيمِ - أَمْدَحُ وَقِيلَ عَكْسُهُ. وَيَشْهَدُ لَهُ {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [غافر: 16] وَفِي مَلِكِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قِرَاءَةً لَمْ نُرِدْ ذِكْرَ الشَّاذِّ مِنْهَا.
قَالَ اللُّغَوِيُّونَ: وَالْمُلْكُ وَالْمِلْكُ رَاجِعَانِ إلَى الْمِلْكِ وَهُوَ الشَّدُّ وَالرَّبْطُ وَمِنْهُ مَلَكَ الْعَجِينَ وَقِيلَ مَلِكٌ وَمَالِكٌ بِمَعْنًى كَفَرِهٍ وَفَارِهٍ. الْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَأْتِ مِمَّا فَاؤُهُ يَاءٌ وَعَيْنُهُ وَاوٌ إلَّا يَوْمَ وَيُوحَ اسْمٌ لِلشَّمْسِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهَا زَمَانٌ مُمْتَدٌّ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الْحِسَابُ وَيَسْتَقِرُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ {الدِّينِ} [الفاتحة: 4] الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ إلَى الظَّرْفِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ وَقِيلَ إلَى الْمَفْعُولِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
وَفِي إضَافَةِ مَالِكِ إشْكَالٌ، لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَهِيَ غَيْرُ مَحْضَةٍ فَلَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فَلَا تَكُونُ صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ وَلَا بَدَلًا. لِأَنَّ الْبَدَلَ بِالصِّفَاتِ ضَعِيفٌ فَقِيلَ فِي جَوَابِهِ: إنَّ الْإِضَافَةَ بِمَعْنَى الْمَاضِي، وَهُوَ حَقٌّ، لِأَنَّ الْمَلِكَ مُتَقَدِّمٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْمَمْلُوكُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ - بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ - وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَتَعَرَّفُ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ إذَا كَانَ مَعْرِفَةً. فَيُلْحَظُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْصُوفَ صَارَ مَعْرُوفًا بِهَذَا الْوَصْفِ وَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِالزَّمَانِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ.
وَهَذَا الْوَجْهُ غَرِيبٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ الَّتِي أُجْرِيَتْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ كَوْنِهِ رَبًّا مَالِكًا لِلْعَالَمِينَ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُمْ يَعْنِي عَنْ مَلَكُوتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ مُنْعِمًا بِالنِّعَمِ كُلِّهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الْجَلِيلَةِ