الْمُسَاقَاةِ لَا دَلِيلَ عِنْدِي عَلَيْهِ فَأَنَا أَخْتَارُ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَسَوَاءٌ أَعَرِفَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذَا الْحُكْمَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّارِعِ يَعْرِفُ حُكْمَهُ الْعَاقِدُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: قَضِيَّةُ خَيْبَرَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ مُسَاقَاةٍ غَيْرِ مُوَقَّتَةٍ وَلَا لَازِمَةٍ فَنُجِيزُهَا وَنُجِيزُ مَعَهَا أَيْضًا وُقُوعَ مُسَاقَاةٍ مُوَقَّتَةٍ لَازِمَةٍ مَأْخُوذَةٍ مِنْ الْإِجَارَةِ فَتَكُونُ الْمُسَاقَاةُ نَوْعَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: نَأْخُذُ مِنْ قَضِيَّةِ خَيْبَرَ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَمِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِجَارَةِ تَوْقِيتَهَا وَلُزُومَهَا وَيُجْعَلُ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي خَيْبَرَ خَاصًّا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ اضْطِرَابِ الْقَوَاعِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: قَضِيَّةُ خَيْبَرَ إنَّمَا كَانَتْ تَقْرِيرًا، وَالْمُعَامَلَةُ فِي ضِمْنِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ تَجْهِيزِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى تَبُوكَ وَهَذِهِ كُلُّهَا احْتِمَالَاتٌ أَبْدَيْتهَا، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْيَهُودِ اسْتِحْقَاقٌ فِي خَيْبَرَ وَفَدَكَ كَانَ لَهُمْ نِصْفُهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوَّمَ لِأَهْلِ فَدَكَ النِّصْفَ فَأَعْطَاهُمْ إيَّاهُ وَلَمْ يُعْطِ أَهْلَ خَيْبَرَ شَيْئًا، وَاَلَّذِي ادَّعَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ إسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ خُئُولَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصِحَّ، وَأَمَّا مَا زَعَمُوهُمْ مِنْ الْكِتَابِ لِأَهْلِ خَيْبَرَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ اخْتَلَقُوهُ وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ فِيهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) : الْمُزَارَعَةُ بِالِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ الْيَوْمَ، وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهَا إلْحَاقًا بِالْمُسَاقَاةِ وَمُوَافَقَةً لِلْأَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ الَّذِينَ فَعَلُوهَا وَأَجَازُوهَا وَيُحْتَمَلُ الْقَوْلُ بِمَنْعِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ النَّهْيِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ. وَتَأْوِيلُ النَّهْيِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي مَعَ أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُهُ.
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) : الْمُخَابَرَةُ فِي لِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ الْيَوْمَ، وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهَا لِمَا قُلْنَاهُ وَلِثُبُوتِهَا فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ، وَالِاعْتِذَارُ بِالتَّبَعِيَّةِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ وَلَمْ أَجِدْهُ.
(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) : إجَارَةُ الْأَرْضِ، وَلَوْلَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَكَانَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَنْعَهُ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ لِلْحَدِيثِ الْمُرَخِّصِ الَّذِي فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِكْرِمَةَ لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ النَّهْيَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، وَلَسْنَا نَحْتَجُّ بِفَهْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَلْ بِنَقْلِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ «خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا» فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى خِلَافَهُ.
أَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَصَرِيحٌ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كِرَائِهَا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ طَعَامٍ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ مَنَعَهَا بِالطَّعَامِ وَأَجَازَهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كِرَاءِ الزَّرْعِ فَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَاوُسٌ