مَقْطُوعٌ بِهِ عَلَى جَوَازِهَا، فَإِنْ صَحَّ نَهْيٌ عَنْهَا احْتَجْنَا إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إمَّا نَحْمِلُ مُزَارَعَةَ خَيْبَرَ عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَإِمَّا بِطَرِيقٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ النَّهْيُ فَلَا مُعَارَضَةَ فَنُقَرِّرُ مُزَارَعَةَ خَيْبَرَ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ وَتَقْوِيَةً لِمُرَاعَاةِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُضَارَبَةِ.
أَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَنَّهُمَا كَانَا يُعْطِيَانِ مِنْ أَرْضِهِمَا بِالثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَّقَهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُمَا، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَيْضًا قَدَّمْنَا الْإِسْنَادَ إلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُمَا، وَالْأُخْرَى أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُمَا وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَدْرَكَهُمَا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَشَرِيكٌ وَأَبُو الْأَحْوَصِ مُتَقَارِبَانِ وَشَرِيكٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو الْأَحْوَصِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَهَذَا الْأَثَرُ لَوْ كَانَ حَدِيثًا لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فَكَيْفَ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ وَأَيْنَ يُوجَدُ مَذْهَبُ عَالِمٍ بِسَنَدٍ مِثْلِ هَذَا فَلَا أَدْرِي تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَلَعَلَّهُ لَا يَرْضَى شَرِيكًا وَأَبَا الْأَحْوَصِ، أَوْ لَمْ يَقِفْ عَلَى إسْنَادِهِمَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَحْنُ قَدْ بَلَغَنَا فَلَا عُذْرَ لَنَا مَعَ مَنْ وَرَدَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ قَدْ تَقَدَّمُوا فِي تَضَاعِيفِ كَلَامِنَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا قَدَّمْنَاهُ كَالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِثُبُوتِ ذَلِكَ مُزَارَعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ وَيَعْضُدُ ذَلِكَ اشْتِهَارُ الْكَلَامِ فِي رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَإِمْكَانُ تَأْوِيلِهَا كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسَاقَاةَ فِي الْكَرْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ: إنَّ خَيْبَرَ كَانَ بِهَا كَرْمٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ قَالَهُ نَصًّا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَقَدْ أَتْقَنْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَالْكَرْمُ لَا يُسَاوِي النَّخْلَ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهِ وَلَكِنْ فِي بَعْضِهَا وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَكَمَا جَازَ قِيَاسُ الْكَرْمِ عَلَى النَّخْلِ فِي الْمُسَاقَاةِ يُمْكِنُ أَنْ يَجُوزَ قِيَاسُ الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْمُسَاقَاةِ لَوْ لَمْ يَرِدْ فِيهَا فَكَيْفَ.
وَقَدْ وَرَدَ فِيمَا كَانَ فِي خَيْبَرَ مِنْ زَرْعٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا جَازَ فِي الشَّيْءِ يَجُوزُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ انْضِمَامٍ إلَى غَيْرِهِ فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الشَّرْطِيَّةُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ أَرَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ تَصْرِيحًا بِالتَّأْقِيتِ وَلَا بِاللُّزُومِ، وَقَدْ بَلَغَ الْأَصْحَابَ فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقَتِهِ مِنْ بَحْثِ أَصْحَابِنَا مَعَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فِي إبْطَالِهِمَا الْمُسَاقَاةَ بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْغَرَرِ، وَالْمُسَاقَاةُ غَرَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَتُسَلَّمُ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا وَبِنَهْيِهِ