ِ) (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قِرَاضٌ شَرْعِيٌّ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ وَسَافَرَ ثُمَّ حَضَرَ مِنْ السَّفَرِ وَتَسَحَّبَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ السَّفَرِ وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ أَحْمَالٍ وَظَهَرَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَأَصْحَابُ الدُّيُونِ عَلَى الْحَمَّالِ فَهَلْ يُحَاصِصُهُمْ صَاحِبُ الْقِرَاضِ أَمْ لَا؟
(أَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَعَمْ يُحَاصِصُهُمْ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا مَاتَ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الدُّيُونِ يُضَارِبُ بِهَا صَاحِبُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَعْنِي جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ، وَدَلِيلُ هَؤُلَاءِ أَنَّ التَّمْكِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَاحْتِمَالُ تَلَفِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ وَبِمَوْتِهِ وَفَقْدِهَا لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ فَيَضْمَنُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهَا أَخَذَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهَا هُوَ وَإِلَّا فَلَا؛ اسْتِصْحَابًا لِلْأَمَانَةِ مَا أَمْكَنَ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَاخْتَارَهُ الْجَوْزِيُّ، وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مُوَافَقَتُهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ جَارِيَةٌ، أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ غَيْرَ فَجْأَةٍ، وَحُكْمُ مَالِ الْقِرَاضِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجَوْزِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافَقَةً لِلنَّصِّ فِي الْوَدِيعَةِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى بِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي فِي التَّرِكَةِ فَلِذَلِكَ يَكُونُ كَمَا لَوْ وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ فَيُؤْخَذُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قَالَهَا أَبُو إِسْحَاقَ وَمَسَاقُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي إِسْحَاقَ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مِنْ جِنْسِهَا، أَوْ عَلَى النَّصِّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الدَّيْنِ هَذَا فِي الْمَوْتِ كُلِّهِ، أَمَّا الْغَيْبَةُ، فَإِنْ سَافَرَ حَيْثُ رَدَّ يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرْنَاهُ بِهِ مِنْ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ سَوَاءً أَكَانَ سَفَرُهُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ فِيهِ خَطَرٌ أَوْ لَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقِرَاضِ، الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي السَّفَرِ كَمَا قَالَهُ الْمُسْتَفْتِي فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ أَنْ يُسَافِرَ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخُصَّ بِهِ بَلَدًا جَازَ أَنْ يُسَافِرَ إلَى الْبُلْدَانِ الْمَأْمُونَةِ الْمَسَالِكِ، وَالْأَمْصَارِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنْ يُسَافِرُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَمَتَاجِرِهِمْ إلَيْهَا وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ فِيهَا وَفِي الْبُعْدِ إلَى أَقْصَى الْبُلْدَانِ، فَإِنْ أَبْعَدَ إلَى أَقْصَى الْبُلْدَانِ ضَمِنَ الْمَالَ. انْتَهَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَلَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ