فتاوي السبكي (صفحة 373)

يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِعِلْمِ الْحَاكِمِ بِظَاهِرِ الْحَالِ.

فَإِنْ قُلْت: بَيِّنْ لِي أَيْضًا الْفَرْقَ بَيْنَ مُوجَبِ الْإِنْشَاءِ، وَصِحَّةِ الْإِنْشَاءِ، وَسَبَبَ تَوَقُّفِ الْحَاكِمِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قُلْت: مُوجَبُ الْإِنْشَاءِ أَثَرُهُ جَعْلُ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْإِنْشَاءَ سَبَبًا فِي حُصُولِهِ، وَصِحَّتُهُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلِلصِّحَّةِ شُرُوطٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُتَصَرِّفِ، وَالْمُتَصَرَّفِ فِيهِ، وَكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ، وَلَا بِمُوجَبِهِ، وَإِذَا تَرَدَّدَ فِيهَا فَمَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الصِّيغَةِ أَوْ إلَى حَالِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ، وَمَا كَانَ حَالَ الْمُتَصَرَّفِ فِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَدَمِيَّةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ ثُبُوتُهُ.

وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ، وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْإِقْرَارِ، إذَا عَرَفْت ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ وَلَا عَدَمُهُ، وَثَبَتَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ لَمْ يُمْكِنْ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَلَكِنَّ التَّصَرُّفَ صَالِحٌ وَسَبَبٌ لِتَرَتُّبِ أَصْلِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى، وَجْهٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ.

وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِمُوجَبِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ لِحُكْمِهِ فَوَائِدُ:

(أَحَدُهَا) : أَنَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ سَبَبٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِشَرْطِهِ حَتَّى إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِي إفَادَتِهِ الْمِلْكَ كَالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ مَثَلًا فَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ.

(الثَّانِيَةُ) : مُؤَاخَذَةُ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَيْعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ.

(الثَّالِثَةُ) : مُؤَاخَذَةُ كُلِّ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ إذَا أَقَرَّ لِلْوَاقِفِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كَمَا يُؤَاخَذُ الْوَاقِفُ.

(الرَّابِعَةُ) : مُؤَاخَذَةُ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِاعْتِرَافِهِمْ لِلْوَاقِفِ كَمَا قُلْنَاهُ لِغَيْرِهِمْ.

(الْخَامِسَةُ) : صَرْفُ الرُّبْعِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِ ذِي الْيَدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ وَقْفُ الْوَاقِفِ لِمَا فِي يَدِهِ وَاعْتِرَافُ ذِي الْيَدِ لَهُ كَافٍ فِيهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْإِقْرَارِ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فِي الْحَقِيقَةِ حُكْمٌ بِالسَّبَبِيَّةِ، وَثُبُوتُ أَثَرِهَا فِي حَقِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ كَالْوَاقِفِ، وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ بِلَا شَرْطٍ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَإِنَّ حُكْمَ الْبَيِّنَةِ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَحُكْمَ الْإِقْرَارِ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ، فَإِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمِلْكُ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَانَ لَازِمًا لِذِي الْيَدِ وَمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ.

وَلَا نَقُولُ: إنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ بَلْ الْحُكْمُ مُنْجَرٌّ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْ يُثْبِتُ الْمِلْكَ عَلَيْهِ إمَّا بِإِقْرَارٍ، وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ، وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْحُكْمُ بِالشَّرْطِ، وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ حُكْمٌ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَثَرِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مَعْنَاهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015