بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ هَلْ تُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَمْ تَتَسَاوَيَانِ، وَقَرَّبَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ كَانَتْ الدَّارُ لِفُلَانٍ هَلْ يَكُونُ إقْرَارًا، وَإِذَا قُلْنَا: لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى الْمِلْكِ فِي الْحَالِ، أَوْ يَقُولَ: كَانَ مِلْكًا لَهُ، وَلَمْ يَزَلْ، أَوْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمٍ مَا عَرَفَهُ مِنْ قَبْلُ كَشِرَاءِ وَارِثٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ زَوَالُهُ
وَلَوْ صَرَّحَ فِي شَهَادَتِهِ أَنَّ مُعْتَمَدَهُ الِاسْتِصْحَابُ فَوَجْهَانِ فِي الْوَسَطِ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَزَالَ مِلْكُهُ أَمْ لَا لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ الْمُرْتَابِينَ، وَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَمْسِ قُبِلَتْ، وَاسْتُدِيمَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: كَانَ مِلْكًا بِالْأَمْسِ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ، وَلَوْ أُسْنِدَتْ الشَّهَادَةُ إلَى التَّحْقِيقِ بِأَنْ قَالَ هُوَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ فَقُبِلَتْ.
وَلَمْ يُثْبِتْ ابْنُ الصَّبَّاغِ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مِلْكُك أَمْسِ، وَحَكَى الْقَطْعَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَرَدَّ الْوَجْهَيْنِ إلَى فِي يَدِك الْأَمْسِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْيَدَ قَدْ لَا تَكُونُ مُسْتَحِقَّةً، فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَخَذْنَا بِالظَّاهِرِ فِيهَا، فَإِذَا زَالَ ضَعُفَتْ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: ذَكَرْنَا أَنَّ الشُّهُودَ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ لَوْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ زَوَالَ مِلْكِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ غَاصِبٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ: هَذَا غَرِيبٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِسْقَاطِ مَا مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهَا الْيَمِينُ.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ: فَإِنْ ذَكَرُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ غَاصِبٌ يَقْتَضِي أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ يَدِهِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ أَمْسِ إذَا قَالُوا: لَا نَعْلَمُ لَهُ مُزِيلًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ أَمْسِ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ الْآنَ إلَّا عَلَى الثُّبُوتِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَإِنْ حَلَفَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ مَعَهَا اُنْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّه أَعْلَمُ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ، وَالْبَيِّنَةُ تَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) دَارٌ فِي يَدِ إنْسَانٍ وَحَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ بِمِلْكِهَا فَادَّعَى خَارِجٌ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْهُ إلَيْهِ، وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِانْتِقَالِهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يُثْبِتْهُ. أَفْتَى فُقَهَاءُ هَمَذَانَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِسَمَاعِهَا، وَالْحُكْمُ بِهَا لِلْخَارِجِ وَالْقَفَّالُ بِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ، وَمَالَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الِانْتِقَالِ تَخْتَلِفُ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بِأَنَّ فُلَانًا وَارِثٌ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَثْبُتْ، وَالْآنَ فِيهِ مُعَارَضَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا الِانْتِقَالَ، وَلَكِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى سَبَبِهِ