ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ يَمْنَعُ إطْلَاقَ الِانْحِصَارِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِبَيْعِ هَذِهِ الْعَيْنِ بِخُصُوصِهَا عِنْدَ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْوَفَاءِ وَتَجَدَّدَتْ لَهُ هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّهْنِ بِلَا إشْكَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَبِيعُ غَيْرَهَا عَيْنًا، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَمِنْ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ تَوَهَّمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِانْحِصَارَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ قَالَ: لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِمَعْنَى لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا قَبْلَ الرَّهْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ مُقْتَضَى الرَّهْنِ تَوْفِيَةُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِتَجَدُّدِ الْمُطَالَبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بَقِيَ هُنَا شَيْئَانِ آخَرَانِ هُمَا مِنْ تَتِمَّةِ الْبَحْثِ.
أَحَدُهُمَا: إذَا كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ نَقْدٌ لَهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يُمْكِنُ الْوَفَاءُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعِ الرَّهْنِ هَلْ نُجْبِرُهُ فِي ذَلِكَ إذَا طَلَبَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا نُجْبِرُهُ بَلْ يُبَاعُ الرَّهْنُ اتَّجَهَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ الِانْحِصَارِ. وَلَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْحَابُ فَالْوَجْهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ وَاجِبٌ فَالْعُدُولُ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْبَيْعِ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُوَافِقُهُ بَلْ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَالْفِقْهُ يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ.
لِلثَّانِي إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ نَقْدٌ وَلَهُ أَعْيَانٌ غَيْرُ الرَّهْنِ يُمْكِنُ بَيْعُهَا فَهَلْ يَتَخَيَّرُ الْقَاضِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّهْنِ كَمَا قَبْلَ الرَّهْنِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَلَا يُبَاعُ غَيْرُهُ، فَإِنْ ثَبَتَ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالِانْحِصَارِ، وَإِنْ ثَبَتَ الثَّانِي سَاغَ إطْلَاقُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ غَيْرُ الرَّهْنِ لِوُجُودِ طَرِيقٍ سَوَاءٌ إلَى الْوَفَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْعِ غَيْرِ الرَّهْنِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بَيْعُهُ وَلَا انْحِصَارَ بَلْ لَا حَقَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي لَيْسَ بِمُرْتَهِنٍ فِي بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْمَدْيُونِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ الْوَفَاءُ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ حَقُّهُ فِي الْوَفَاءِ وَلَا نَقْدَ بِيَدِهِ صَارَ الْبَيْعُ وَسِيلَةً إلَى حَقِّهِ فَيَكُونُ حَقًّا لَهُ أَيْضًا.
قُلْت لَمْ يَتَعَيَّنْ الْبَيْعُ فَقَدْ يَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِالْإِقْرَاضِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الطُّرُقِ. فَإِنْ قُلْت: بِفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ طَرِيقٌ إلَى الْبَيْعِ قُلْت: انْحِصَارُ الطُّرُقِ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ اقْتَضَاهُ الْوَاقِعُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقًّا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ لَامْتَنَعَ عَلَى الْمَدْيُونِ أَنْ يَبِيعَ وَيَعْتِقَ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ جَازَ الْبَيْعُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغَيْرِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَعَلَّقَ لَا يُجَازُ الْبَيْعُ.
فَإِنْ قُلْت: لَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْبَيْعَ لَمَا بَاعَهُ الْقَاضِي فِي حَقِّهِ. قُلْت: لَا نُسَلِّمُ بَلْ الْقَاضِي إذَا ثَبَتَ حَقُّهُ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَيْهِ غَيْرَ الْبَيْعِ يَبِيعُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِهِ بِخُصُوصِهِ. فَإِنْ قُلْت: الْقَوْلُ بِأَنَّ بَيْعَ