أَعْظِمْ بِنَفْسِ مُحَمَّدٍ أَنْ تَقْتَدِي ... أَهْوِنِ بِنَفْسِك يَا أَخِي وَاخْسُسْ
نَظَمْت هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي كَلَامِ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: 120] وَالْآنَ زِدْت فِيهَا لِهَذَا الْمَعْنَى الْعَارِضِ:
وَلِقَبْرِهِ أَغْلَى الْبِقَاعِ وَخَيْرِهَا ... ذَاكَ عَلَى التَّقْوَى أَجَلُّ مُؤَسِّسِ
فَبِطَيْبَةَ طَابَ الثَّرَى وَنُزِيلُهَا ... أَزْكَى قُرًى فِي كُلِّ وَادٍ أَقْدَسِ
أَفْدِي عِمَارَتَهَا وَمَسْجِدَهَا بِمَا ... أَحْوِي وَبِي كُلُّ الْبَرِيَّةِ تَأْتَسِي
إنِّي يَهُونُ عَلَيَّ بَيْعُ حُشَاشَتِي ... فِي ذَاكَ بِالثَّمَنِ الْأَقَلِّ الْأَبْخَسِ
لَوْ جَازَ بَيْعُ النَّفْسِ بِعْت وَكَانَ لِي ... فَخْرٌ بِذَاكَ الرِّقِّ أَشْرَفَ مَلْبَسِ
صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ كُلَّ دَقِيقَةٍ ... عَدَدَ الْخَلَائِقِ نَاطِقٍ أَوْ أَخْرَسِ.
(فَصْلٌ) الْكَعْبَةُ وَالْحُجْرَةُ الشَّرِيفَةُ قَدْ عُلِمَ حَالُهُمَا الْأَوَّلُ بِالنَّصِّ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ؛ وَالثَّانِيَةُ بِالْإِلْحَاقِ بِهِ وَبِالْقَطْعِ بِعَظَمَتِهِمَا، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ غَيْرِهِمَا أَمَاكِنُ يُنْذَرُ لَهُمَا وَيُهْدَى إلَيْهَا وَقَدْ يُسْأَلُ عَنْ حُكْمِهَا وَيَقَعُ النَّظَرُ فِي أَنَّهَا هَلْ تَلْحَقُ بِهَذَيْنِ الْمَكَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَرْتَبَتَهُمَا أَوْ لَا؟
وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ عَيَّنَهُ يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا يُنْذَرُ بَعْثُهُ إلَى الْقَبْرِ الْمَعْرُوفِ بِجُرْجَانَ فَإِنَّ مَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ عَلَى مَا يُحْكَى يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ؛ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَى ذَلِكَ فَنَزَلَ النَّذْرُ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عُرِفَ حُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ فَيَظْهَرُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ النَّذْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الشَّرْعُ بِخِلَافِ الْكَعْبَةِ وَالْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ.
وَالثَّانِي يَصِحُّ إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْخَيْرِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ فِي مَصَالِحِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَلَا يَتَعَدَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي بُطْلَانُ النَّذْرِ لِمَا سِوَى الْكَعْبَةِ وَالْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ شَهَادَةِ الشَّرْعِ لَهَا وَإِنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَالِهِ عَنْ شَيْءٍ لَهَا وَاقْتَضَى الْعُرْفُ صَرْفَهُ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهَا صُرِفَ إلَيْهَا وَاخْتَصَّتْ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
أَمَّا الرُّعَاةُ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ فَلَهُمْ إذَا رَمَوْا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْفِرُوا وَيَدَعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَيَدَعُوا رَمْيَ يَوْمٍ وَيَقْضُوهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيه، وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ أَوْ أَدَاءٌ؟ سَيَأْتِي. وَهَذَا التَّأْخِيرُ مَقْطُوعٌ بِجَوَازِهِ لِلْعُذْرِ سَوَاءٌ قُلْنَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ يَتَدَارَكُ أَوْ لَا.
وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا الْيَوْمَ