وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَشْرَفِ الْجَوَاهِرِ كَمَا أَنَّ مَكَانَهَا أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ فَقَلِيلٌ فِي حَقِّهَا الذَّهَبُ وَالْيَاقُوتُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ مَوْجُودًا هُنَا فَزَالَتْ شُبْهَةُ الْمَنْعِ، وَالْقِنْدِيلُ الذَّهَبُ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ فَإِنْ وَقَفَهُ هُنَاكَ إكْرَامًا لِذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَعْظِيمًا صَحَّ وَقْفُهُ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقِفْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى إهْدَائِهِ صَحَّ أَيْضًا، وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِقَبْضِ مَنْ صَحَّ قَبْضُهُ لِذَلِكَ وَصَارَ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا يَصِيرُ الْمُهْدَى لِلْكَعْبَةِ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَكَذَلِكَ الْمَنْذُورُ لِهَذَا الْمَكَانِ كَالْمَنْذُورِ لِلْكَعْبَةِ؛ وَقَدْ يُزَادُ هُنَا فَيُقَالُ: إنَّهُ مُسْتَحَقُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ بِمَوْتِهِ عَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَجَعْلِهِ صَدَقَةً بَعْدَهُ أَمَّا هَذَا النَّوْعُ فَلَا يُمْتَنَعُ مِلْكُهُ لَهُ وَهُوَ الَّذِي فِي أَذْهَانِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حَيْثُ يَقُولُونَ هَذَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ وَقْفًا، وَإِنْ جَعَلَهُ وَقْفًا فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ إمَّا نَفْسُ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ كَالْكَعْبَةِ وَإِمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: الْوَقْفُ حَيْثُ صَحَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِمَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَمَنْفَعَةُ تَزْيِينُ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلشَّرْعِ وَتَذْهَبُ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ الذَّهَبِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لَهُ يَصِيرُ إلَيْهَا وَإِذَا قَامَتْ الْقِيَامَةُ زَالَتْ الزِّينَةُ؟ فَنَقُولُ: مَنْفَعَتُهُ فِي الدُّنْيَا الزِّينَةُ وَالتَّعْظِيمُ لِمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقَاءِ ذِكْرِ الْمُهْدِي لَهُ فَيُذْكَرُ بِهِ وَذَلِكَ مَقْصُودٌ {لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] وَإِذَا قَامَتْ الْقِيَامَةُ تَحَدَّثُوا بِهِ وَرُبَّمَا يَجِيءُ ذَلِكَ الذَّهَبُ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا فِيهِمَا وَهُوَ يُحَلِّي أَهْلَ الْجَنَّتَيْنِ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَالْجَنَّتَيْنِ بِالْفِضَّةِ فَرُبَّمَا يَأْتِي بِذَلِكَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِعَيْنِهِمَا فَيُحَلِّي بِهِمَا صَاحِبَهُمَا جَزَاءً لَهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ حَشَمِهِ وَمَنْ عِنْدَهُ فَيُسَرُّ بِذَلِكَ أَوْ يُسَرُّ بِمُشَاهَدَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ.
وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّهُ مَلَكَ الْحُجْرَةَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْكَعْبَةِ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ لَهَا إمَّا مُكَلَّفٌ وَإِمَّا يَنْتَهِي لِلتَّكْلِيفِ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ.
وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُزَكِّيهِ كُلَّ عَامٍ كَالْعَيْنِ الْمُحْبَسَةِ فَعَجِيبٌ.
(فَصْلٌ) مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ فَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْفَرْوِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمِجْمَرَةٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيهَا تَمَاثِيلُ مِنْ