فتاوي السبكي (صفحة 245)

وَالتَّعْلِيقِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَتْ كَانَ مُضِيَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْقِسْمُ الثَّانِي) : فِي النَّظَرِ فِي بَعْضِ كَلَامِ الْوَلَدِ أَبْقَاهُ اللَّهُ وَنَفَعَ بِهِ وَبَارَكَ فِي عُمُرِهِ فِي خَبَرِ كَانَ قَدْ يَكُونُ مُسْتَقْبَلًا عَنْ زَمَنِ الْكَوْنِ مَمْنُوعًا لِمَا قَدَّمْتُهُ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَصَحَّ أَنْ نَقُولَ كَانَ زَيْدٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقُومُ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَكَانَ أَمْسِ قَائِمًا الْيَوْمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيَكَادُ الطَّبْعُ يَنْبُو عَنْهُ.

قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ بَيْنَهُمَا تَرَتُّبًا. هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا مُقْتَضَى مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.

قَوْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْتُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ مَمْنُوعٌ وَيَسْتَنِدُ الْمَنْعُ مَا سَبَقَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُقَارِنًا لَا مَاضِيًا وَلَا مُسْتَقْبَلًا فَإِنْ جَاءَ مَا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ يُؤَوَّلُ عَلَى مَعْنَى ثُبُوتِ ذَلِكَ لَهُ وَالثُّبُوتُ مُقَارِنٌ لَا مُتَقَدِّمٌ وَلَا مُتَأَخِّرٌ. قَوْلُهُ فِي نَفْسِ الْقِيَامِ وَالِاتِّصَافِ بِهِ أَقُولُ أَمَّا تَغَايُرُهُمَا فَصَحِيحٌ وَأَمَّا انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ أُرِيدَ فِي الذِّهْنِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ أُرِيدَ فِي الْخَارِجِ فَمَمْنُوعٌ.

قَوْلُهُ فِي كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا أَوْ يَقُومُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَمْنُوعٌ لِمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: كَانَ زَيْدٌ أَمْسِ قَامَ أَوَّلَ أَمْسِ أَنَا أَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا التَّرْكِيبِ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَلِيَأْتِ بِشَاهِدٍ لَهُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَابِلًا لِلتَّرْكِيبِ. قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا: الْعِلَّةُ مَعَ الْمَعْلُولِ لَا وَجْهَ لِلْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا عِلَّةٌ وَلَا مَعْلُولٌ بَلْ خَبَرٌ وَمُخْبَرٌ عَنْهُ.

قَوْلُهُ فِي الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: كَانَ زَيْدٌ إذَا حَدَّثَ صَدَقَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْمَنْعُ عَائِدٌ فِيهِ. قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ: مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِك: كَانَ زَيْدٌ إذَا حَدَّثَ صَدَقَ أَنَّهُ كَانَ أَمْسِ ثَبَتَ أَنَّهُ صَدَقَ أَوَّلَ أَمْسِ صِدْقًا نَاشِئًا عَنْ الْحَدِيثِ.

أَقُولُ هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ كَيْفَ يُتَخَيَّلُ هَذَا وَكَيْفَ يُقَدَّرُ جَزَاءُ الشَّرْطِ الْمُسْتَقْبَلِ مَاضِيًا عَنْ زَمَانِ كَانَ بِالْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ الْمُقَارِنَةِ لِزَمَانِ الشَّرْطِ قَوْلُهُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا. أَنَّهَا جَعَلَتْ الْكَوْنِيَّةَ ثَابِتَةً لَهُ قَبْلَ إقْرَاعِهِ بَيْنَهُنَّ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَالْإِقْرَاعُ مَعْطُوفٌ بِالْفَاءِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ كَثِيرًا وَفِي غَيْرِ الْجُمَلِ دَائِمًا.

أَقُولُ: أَمَّا كَوْنُهَا جَعَلَتْ الْكَوْنِيَّةَ ثَابِتَةً لَهُ قَبْلَ إقْرَاعِهِ فَمَمْنُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَمَنْ تَأَمَّلَ مَا تَقَدَّمَ عَرَفَ أَنَّ الْكَوْنِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِقْرَاعِ؛ وَكَوْنُ الْفَاءِ مُقْتَضِيَةً لِلتَّرْتِيبِ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ الزَّمَانِيُّ بَلْ يَكْفِي التَّرْتِيبُ الْعَقْلِيُّ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِطَرِيقَيْنِ: إمَّا أَنْ نَجْعَلَ الْفَاءَ سَبَبِيَّةً لِأَنَّ كَوْنَهُ إذَا أَرَادَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015