فتاوي السبكي (صفحة 104)

مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْفَضْلِ وَالْمَالِ وَرُبَّمَا كَانَ لِلنَّاسِ أَمْثَالُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ تُرِيدُ تَعْظِيمَ مَا عِنْدَهُ. قُلْت هَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ يَرُدُّهُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَذَكَرْت دَعْوَةَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ عِلْمِ التَّفْسِيرِ.

(التَّاسِعُ) : (هَبْ) لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ هَبْ زَيْدًا مُنْطَلِقًا؛ بِمَعْنَى احْسِبْ. فَهَذَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى مَفْعُولَيْنِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ مَاضٍ وَلَا مُسْتَقْبَلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ، وَلَا أَدْرَى هَلْ هُوَ مِنْ وَهَبَ أَوْ هَابَ فَإِنَّ الْأَزْهَرِيَّ خَلَطَ التَّرْجَمَتَيْنِ.

وَهَذَا إنْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَيَقْتَضِي أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ مِنْهُ مَاضٍ، وَيُقَالُ بِمَعْنَى الْهِبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ.

وَيُسْتَعْمَلُ مِنْهُ فِي الْمَاضِي " وَهَبَ " وَفِي الْمُضَارِعِ " يَهَبُ " وَفِي الْأَمْرِ " هَبْ " وَهَا هُنَا مَسْأَلَةٌ مَلِيحَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ غَيْرَ الْمَزِيدِ وَلَا الْمَبْنِيَّ لِلْمُغَالِبَةِ إذَا كَانَ مُعْتَلَّ الْفَاءِ بِالْوَاوِ.

وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي فَإِنَّ الْمُضَارَعَةَ أَبَدًا عَلَى يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، نَحْوَ وَعَدَ يَعِدُ وَيَزِنُ وَزَنَ.

وَيُحْذَفُ الْوَاوُ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ ثُمَّ يُحْمَلُ أَعَدَّ وَيُعِدُّ عَلَيْهِ وَشَذَّتْ لَفَظَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ وَجَدَ يَجِدُ فَجَاءَتْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُذِفَتْ الْوَاوُ كَمَا حُذِفَتْ مَعَ الْكَسْرَةِ قَالَ الشَّاعِرُ

لَوْ شِئْت قَدْ نَقَعَ الْفُؤَادُ بِشَرْبَةٍ ... تَدْعُ الصَّوَادِيَ لَا يَجُدْنَ غَلِيلَا

وَجَاءَ يَضَعُ وَجَعَلُوا الْفَتْحَ لِأَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ فَلِمَ لَمْ يَفْتَحُوا " يَعُدُّ " لِأَجَلِ حَرْفِ الْحَلْقِ.

فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ " يَعُدُّ " " وَيَهَبُ " وَكِلَاهُمَا حَرْفُ حَلْقٍ إنْ كَانَ حَرْفُ حَلْقٍ يَقْتَضِي الْفَتْحَ فَلِمَ لَمْ يَفْتَحُوهَا. وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ فَلِمَ لَمْ يَكْسِرُوهَا وَلِمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015