وقَوْله تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] .
وَقَوْلُهُ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] ، وَقَوْلُهُ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} [النساء: 32] كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمِلْكِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَهُوَ يَشْمَلُ النَّقْدَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] دَلِيلٌ عَلَى تَعَيُّنِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَّا بِرَدِّهِ بِعَيْنِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَلَا شَكَّ أَنَّ النُّقُودَ دَاخِلَةٌ فِيهَا وَكَذَلِكَ وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّطْوِيلِ لِلِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ وَأَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَعْيَانُهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآيَاتِ.
وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ لَيْسَ طَيِّبَ النَّفْسِ بِأَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك» وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعَرَقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ أَيِّ مَنْ وَصَلَ إلَى يَدِهِ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَهَذَا الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ الْغَاصِبُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ يُبِيحُ الْعَيْنَ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ» .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ جَعَلَ أَكْلَ ثَمَنِ الْحُرِّ دَاخِلًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَعِيدِ وَالْغَالِبُ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ نَقْدًا فَلَوْ كَانَتْ النُّقُودُ إذَا أَخَذَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ حَقٍّ يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُهَا وَإِجْبَارُ صَاحِبِهَا عَلَى أَخْذِ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ أَكْلُهَا حَرَامًا بَلْ كَانَ الْمُحَرَّمُ عَدَمُ إيفَاءِ مِثْلِهَا وَذَلِكَ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ وَصْفِ الْأَكْلِ.
وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّتَبُّعُ فِي الْوَعْدِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْأَكْلُ بِعَيْنِهِ أَعْنِي التَّصَرُّفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الثَّمَنِ حَرَامًا وَهُوَ دَلِيلٌ لِتَعَيُّنِهِ بِالْغَصْبِ فَإِنَّ قَبْضَ ثَمَنِ الْحُرِّ قَبْضٌ فَاسِدٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَصْبِ وَقَدْ أَطَلْنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِهَذَا أَكْثَرَ مِنْ الْحَاجَةِ رَدًّا لِلْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ السَّائِلُ.
وَيَنْبَغِي تَأْوِيلُ